الإنذار الثاني

 

يوم الأحد 16 أوت عدت إلى الجزائر لحضور اجتماع كان مقررا على الساعة العاشرة تحت إشراف العقيد فضيل سعيدي مع الضباط المتأهبين إلى الالتحاق بمناصب في الخارج. وعندما وصلت إلى مقر (م.ت.أ.خ/DDSE) كنت أظن أنني سأعين إما في إسلام أباد وإما في اسطنبول، وبما أنني قادم من (م.ج.م/DCE) ونظرا لظروف المرحلة التي كان اهتمام المسؤولين فيها منصبا حول تحييد الأصولية الإسلامية، فإن كل المواصفات التي أتوفر عليها كانت تنطبق على الضابط الذي يصلح لشغل أحد هذين المنصبين الجديدين.

بعد وصولي مباشرة من المطار، وبدقائق قبل بداية الاجتماع، كان الرائد شعبان بودماغ المكلف بتوزيع الإطارات أول من أخبرني بأني قد عينت في ألمانيا، وهو التعيين الذي لم أكن أنتظره أبدا، بسبب سلوكي "التمردي" خلال الأسابيع الستة الفارطة من جهة، ومن جهة أخرى لأن مناصب كل من باريس، لندن، روما، بون، وواشنطن كانت دائما محجوزة لأصحاب الحظوة "المدللين" لدى المسؤولين!

لقد أمرنا رئيس الأمن الخارجي أثناء الاجتماع بالالتحاق بمناصبنا قبل الأول من سبتمبر، ولم يكن أمامي سوى أسبوعين لتحضير كل شيء، التأشيرات لألمانيا، التكليف بمهمة من وزارة الخارجية، رخصة الخروج من التراب الوطني الممنوحة من (و.د.و/MDN)، إجراء لقاءات مع إطارات وزارة الخارجية، الاطلاع على الملفات...

يوم السبت 22 أوت كلمت الرائد عبد الحميد كواشي في سفارتنا ببون لإخطاره بوصولي إلى فرانكفورت يوم 26 أوت، وذهبت إلى مقر (م.ج.م/DCE) لتحية زملائي القدماء، واستغلالا لفرصة وجودي في غرمول وبالرغم من علمه بذهابي الوشيك، طلب مني العقيد إسماعيل أن أقوم له بآخر "خدمة". وببساطة هي أن أتصل بأحمد مراح، وهو أحد عملائه "الإسلاميين" الذين سبق الحديث عنهم، وقد حدد لي موعدا للقاء معه يوم 25 أوت على الساعة السادسة مساء بفندق "الأروية الذهبية"83كي أستلم منه وثائق هامة، وبما أنني بينت لإسماعيل أني لا أعرف أحمد مراح، (ولم أكن قد رأيت وجهه أبدا من قبل) فأجابني على الفور وبالحرف الواحد:" هاهي فرصة مواتية للغاية، مراح سيكون هنا غدا على الساعة الثانية بعد الظهر، تعال للتعرف عليه بالمناسبة!" لقد شممت رائحة الضربة حينها، لكن دون أن يظهر على ملامحي أي شيء يوحي بذلك.

وبالفعل فلقد التقيت ولأول مرة مع أحمد مراح يوم 23 أوت في مكتب رئيس (م.ج.م/DCE) (ولقد كان النقيب عمر مرابط رئيس ديوان إسماعيل حاضرا كذلك) إن نظراته، وطريقة ملاحظته، وصمته خلال العشرين دقيقة التي استغرقها اللقاء قد زادت من تأكيد تخوفاتي. وعند مغادرة مكتب إسماعيل قررت ألا أحضر إلى الموعد المذكور الذي كان يبدو لي جليا أنه كمين منصوب بعناية! أسئلة كثيرة ظلت تضايقني، بما أن مراح كان حاضرا هناك يومها فلماذا لم يحضر معه الوثائق التي طلب مني إسماعيل أن أستلمها منه يوم 25 من نفس الشهر؟ بما أن مراح في استطاعته أن يحضر بسهولة وحرية إلى مقر (م.ج.م/DCE) فلماذا إذن يحتاج إلي أنا بالذات كي أقوم بهذه المهمة؟ لماذا لم يكلف إسماعيل بهذه "المهمة" سائقه أو كاتبه حفيظ أو أحد الضباط المقربين منه بدل أن يعهد بهذه المهمة إلى شخص كان قد اشتبك معه منذ أيام، وبدّل إدارة داخل (ق.إ.أ/DRS) من (م.ج.م/DCE) إلى (م.ت.أ.خ/DDSE

يوم 24 طلبت من العميد فريد غبريني الذي كان قد عين لتوه على رأس (م.ر.ع/CPO) للذهاب إلى الموعد مع مراح بدلي، متذرعا بضيق الوقت لكوني منشغلا بتحضير سفري. لقد رفض فريد بلباقة مكتفيا بقوله لي:" أنت المكلف بهذه المهمة من طرف العقيد"، ونظرا لأني قد بلغ مني الشك مأخذا، فقررت عدم الذهاب إلى الموعد، وأجلت ذهابي إلى يوم 31 أوت دون أن أعلم أحدا بذلك، ومن الغريب أنني عندما التقيت مع إسماعيل العماري بعد ذلك، يوم 26 أوت لم يقدم لي أية ملاحظة ولم يؤاخذني على عدم الذهاب إلى الموعد المضروب مع مراح، وقد صادف في ذلك اليوم الأربعاء 26 أوت (التاريخ الذي كان من المقرر أن أسافر فيه إلى ألمانيا) أن انفجرت قنبلة شديدة المفعول في المنطقة الدولية لمطار هواري بومدين بالجزائر، أسفرت عن تسعة قتلى وأكثر من مائة جريح. وقد سبقت الانفجار مكالمة هاتفية من مجهول يخطر فيها شرطة المطار بانفجار وشيك الوقوع، ومع ذلك لم تتخذ أية تدابير للإخلاء.! وفي اليوم ذاته صرح رئيس الحكومة بلعيد عبد السلام بأنها "يد الأجنبي!" وسرعان ما حددت مصالح الأمن المذنبين وهم: حسين عبد الرحيم، منتخب (ج.إ.إ/FIS) في بوزريعة، رشيد حشايشي طيار في الخطوط الجوية الجزائرية، السعيد سوسان ومحمد روابحي الذين قدموا اعترافاتهم في التلفزيون ووجوههم متورمة من أثر التعذيب الذي تعرضوا له، وبما أنني أعرف طرق (ق.إ.أ/DRS) في التعذيب وفي "المعالجة الخاصة" اللاإنسانية، فإني أستطيع أن أجزم بأن حسين عبد الرحيم وأصدقاءه قد أدلوا بتلك الاعترافات تحت التعذيب الجهنمي، كما أجزم أنهم كانوا سيعترفون بقتل الرئيس بوضياف نفسه لو طلب منهم ذلك جلاديهم...، ولقد حُكم بالإعدام على الأربعة يوم 23 ماي 1993، ونفذ فيهم الحكم لاحقا في 31 أوت 1993.

 

صائفة 1992، الحرب "ضد التخريب" تُغير إيقاعها

 

وهكذا وصلت في آخر أوت 1992 إلى سفارة الجزائر في بون بصفتي "مستشارا" (كنت أقوم بعدة وظائف: ملحق عسكري، رئيس مكتب الـ(أ.ع/SM)، مكلف بالتعاون...) وأثناء السنوات اللاحقة حتى ولو لم أكن حاضرا في ميدان العمليات فقد كنت أخطر بكل ما كان يحدث، وذلك بواسطة أصدقائي ومن خلال زياراتي السنوية للجزائر إلى غاية شهر فبراير 1996 من جهة، ومن جهة أخرى من خلال اللقاءات المنتظمة مع زملائي القدماء في (ق.إ.أ/DRS) أثناء الاجتماعات التي كنا نعقدها في باريس، ويعود الفضل إلى هذه الاتصالات في تكوين فكرة دقيقة عن طبيعة عمليات القمع والاضطهاد الهمجية التي حدثت ما بين 1992-1996.

إن صائفة 1992 ستسجل منعطفا حاسما في مجال حرب الجنرالات الانقلابيين ضد الإسلاميين، ولكن أيضا ضد غالبية أفراد الشعب، كما سبق أن قلت. فمنذ الربيع بدأ الرئيس بوضياف يجابه الجنرالات وخاصة حين عزل الجنرال محمد العماري، ونقله في أفريل لإدارة حالة الحصار من (ق.ق.بر/CFT) إلى جهاز جديد هو (و.و.ق.ل/ ONRB).

هذه الهيكلة أنشئت بمبادرة من الجنرال العربي بلخير، إنها مكيدة جديدة لتغليط بوضياف والرأي العام الدولي، وإيهامهم بأن الحرب ضد الإسلاميين لا تقوم بها مصالح المخابرات ولا الجيش، ولكن تقوم بها الشرطة (م.ع.أ.و/DGSN). والحقيقة أن صلاحيات (م.ق.ع/PCO) في عين النعجة هي التي نقلت إلى شاطوناف (مقر "و.و.ق.ل/ ONRB") وهي ثكنة تمتاز زيادة على ذلك بتوفرها على زنازن للاستنطاقات.

من الناحية الرسمية يعتبر (و.و.ق.ل/ONRB) مسيرا من طرف المحافظ طاهر كراع بمساعدة محمد عسولي، ومحمد وضاح، وهو من ثمة يتبع رسميا –إذا- لمحمد طولبة المدير العام للأمن الوطني، ولكن في الحقيقة كان هؤلاء المحافظون يطبقون تعليمات رئيس (م.ج.م/DCE) الذي يتلقى هو الآخر أوامره من الجنرالين توفيق وبلخير. وقد كان هذا الأخير ينوي أن يعهد إلى محميّه إسماعيل العماري  بنواة مستقبلية لمؤسسة استخباراتية في الجزائر تكون بمثابة (ج.م.ف/DST) جزائري، وهي هيكلة تكون مفصولة تماما عن (ج.و.ش/ANP) (ولهذا تم تشكيل "و.و.ق.ل/ONRB" على غرار(RAID) الفرنسي، بفرق نخبة مكونة من وحدات التدخل للشرطة، والدرك، وعناصر "م.ت.خ/GIS"). ولكن هذه المحاولة لم تدم طويلا فبعد اغتيال بوضياف، زال (و.و.ق.ل/ONRB) مع عودة الجنرال محمد العماري للقيادة في يوليو 1992 والذي سيرأس مؤسسة جديدة مكلفة بقمع "الإسلاميين" تسمى (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) (لجنة تنسيق عملية مكافحة التخريب) ستنشئ في سبتمبر. وقد كانت هذه الهيكلة مكونة أساسا من وحدات من الجيش (ج.و.ش/ANP) (فرق مظليين) وعناصر من (ق.إ.أ/DRS) وقد كانت (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) في البداية تتوفر على ثلاثة فرق من المظليين (الرابع و الثامن عشر من فيلق الوحدات المحمولة جوا RAP والثاني عشر من فيلق رجال المغاوير RPC) ومن فيلق الشرطة العسكرية (90BPM) ومن وحدات الاستطلاع (25 RR) ومن (م.ت.س/GIR) وعناصر من (م.م.أ.ج/DCSA) مكلفة بتأطير وتوجيه عمليات التمشيط والتوقيف والتحييد... فهم في الجملة 5000 عنصر، مدربون تدريبا جيدا، ومجهزون تجهيزا متفوقا، جندوا لمكافحة الأصوليين، وقد تضاعف هذا الرقم سنة 1993 بحكم دعم هذه الوحدات بوسائل حربية: مدرعات، طائرات مروحية، عربات مصفحة. كانت كل أجهزة الأمن مسؤولة أمام (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) وفي مارس أنشئت "مراكز عمليات" على مستوى كل ولاية تجمع الشرطة، الدرك، مفرزة من (ج.و.ش/ANP)، (وأضيف إليها الميليشيات سنة 1994) وهذا لا يعني أن رؤساء (ق.إ.أ/DRS) قد فقدوا السلطة لصالح (ج.و.ش/ANP) وللجنرال محمد العماري، ولكن على العكس من ذلك، فهذه الفترة هي التي عرفت تكوين مكاتب ملحقة في النواحي العسكرية وأدمجت (م.ج.م/DCE) و(م.ب.تق/CRI) و(م.م.أ.ج/DCSA) و(م.ع.ب/CMI)، لتعطي ميلاد (م.إ.ب.ت/CTRI) المراكز الوطنية للبحث والتقصي، مكلفة حصريا بالحرب "ضد الإرهاب".

وستلعب هذه (م.إ.ب.ت/CTRI) المشؤومة (وخاصة تلك الخاصة بالبليدة المسيرة من طرف الرائد جبار) الدور الأكبر على امتداد سنوات الحرب في الاختطافات، والاختفاءات، والاغتيالات، وارتكاب المجازر الجماعية في حق المدنيين الأبرياء.

يجب أن نعرف جيدا بأنه ابتداء من هذه الفترة قد تغيرت الهياكل النظامية الرسمية كثيرا وغالبا ما كانت تتداخل مع بعضها البعض، وإذا ما غضضنا الطرف عن هذا اللاتناسق الحتمي، فإن ذلك يعطي ميزة إضفاء الغموض والتغطية على المسؤوليات الحقيقية في الجرائم المرتكبة.

لقد قام (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) بالفعل في السنوات اللاحقة بحرب شعواء وبدون شفقة ولا رحمة ضد مناصري (ج.إ.إ/FIS) وكل من يحتجون ضد توقيف المسار الانتخابي، في مارس 1993 عبر الجنرال محمد العماري أثناء اجتماع (ق.ق.بر/CFT) بعين النعجة مع الضباط المجندين لهذه الحرب وبدون أي لف أو دوران عن نوايا القيادة العسكرية بقوله الصريح "إن الإسلاميين يريدون الذهاب إلى الجنة فلنأخذهم إليها وبسرعة! لا أريد أسرى، أريد قتلى فقط!! 84

ها هي إذن الكيفية التي دفع بها الشباب هروبا من التعذيب والقتل إلى حمل السلاح والالتحاق بالمقاومة الإسلامية في الجبال التي كانت تعج بعملاء (ق.إ.أ/DRS) مساهمين هكذا في تفاقم العنف!

ولكن حتى قبل إقامة هذه الهيكلة الرسمية الجديدة المكلفة بمكافحة الإرهاب، كانت توجد هياكل سرية مكونة داخل (ق.إ.أ/DRS) قـد بدأت تنشر الرعب، وستلعب دورا أساسيا في هذه الحرب على امتداد سنواتها المتعاقبة.

 

القتّالون التابعون للعقيد إسماعيل

 

منذ نهاية يناير 1992 كانت إطارات الفرقة الخارجة عن القانون المسماة "فرقة الحماية" التي أسسها إسماعيل العماري سنة 1990 (أنظر الفصل الثاني) تقوم بدور الإسناد لهذه الوحدات العملياتية، وعلى مر الأيام كانت هذه الفرقة تتدعم بالوسائل والأفراد والعتاد (بما فيها سيارات فيات رجاطة، وأونو، وبيجو 205 وسيارات أخرى مصادرة من الجمارك في ميناء الجزائر) وزيادة على ذلك فإن كل أفراد "فرقة الحماية " هذه كانوا قد زودوا في وقت مبكر وبكيفية واسعة بوسائل الاتصال، والسلاح والذخائر (في حين أن إطارات البحث والعمليات، والمراقبة لم يسلحوا إلا في يناير 1992) فبعد يناير 1992 لاحظت أنهم كانوا يحوزون مسدسات آلية من نوع "أوزي UZI" (وهو سلاح ذو دقة عالية من صنع إسرائيلي) مجهزة بكاتمات الصوت.

لقد كان هؤلاء الرجال يساهمون في اختلاق الأدلة المزيفة، ويشاركون حتى في عمليات التوقيف، في حين لم يكن ولا واحد من بينهم يحمل صفة ضابط شرطة قضائية، بل الأخطر من ذلك أن هذه التوقيفات لم تكن تتم بالتشاور مع أجهزة الأمن الأخرى كما كان ينبغي أن تسير الأمور في إطار الحرب ضد الإرهاب، لقد كانت توقيفات تعسفية، وبالأحرى عمليات اختطاف قررت من طرف رؤساء (ق.إ.أ/DRS) للمتعاطفين مع الـ (ج.إ.إ/FIS) بل وزيادة على ذلك أن هؤلاء لم يكونوا وحدهم المستهدفين بل يستهدف معهم كل أولئك المعارضين لمخطط الجنرالات، محامين، نقابيين وغيرهم... ولقد فتحت حالة اللاقانون هذه الباب لكل التجاوزات والخروقات أمام هؤلاء العسكريين الذين كانوا يبررون تلك الأعمال بحجة التهديد الأصولي، وبهذه الكيفية تمت العديد من عمليات تصفية الحسابات بدون أي عقاب، قضايا أخلاقية أو نزاعات تتعلق بقطعة أرض على سبيل المثال، كل هذه المسائل صفيت عن طريق الاختطاف، والتصفية الجسدية، مع تعليق كل تلك الجرائم على مشجب "الجماعات الإسلامية" دون أن تشكل أية لجنة للتحقيق في هذه الجرائم! فبعد الانقلاب كانت أولى العمليات السرية التي قامت بها هذه الفرقة (مثل صيف 1991) هو نشر "قائمة سوداء" مزعومة، بأمر من إسماعيل العماري، منسوبة إلى الإسلاميين تتضمن أسماء شخصيات مدنية مهددة بالموت من طرف هؤلاء الإسلاميين الأبرياء براءة الذئب من دم يوسف!

لقد كانت هذه القوائم (المعدة من طرف النقباء عز الدين عويس وعمر مرابط ضابطي ديوان إسماعيل العماري) تتضمن كذلك أسماء بعض العسكريين، وكذلك عناوين سكناهم وأرقام سياراتهم! والهدف من نشر هذه القوائم المزورة (الملفقة) هو تأكيد الشعور بالخوف لدى بعض الأعيان المترددين، وجعلهم يتحولون كلية إلى المعسكر المناهض للإسلاميين، وبالفعل فلقد تحقق هذا الهدف حيث اعتقد الكثير من المثقفين أنهم كانوا بالفعل مهددين بالموت، وأصبحوا مناصرين بدون تحفظ لعصابة الجنرالات وسياسة " كل أمني" التي كانوا يمارسونها بشكل رهيب!

إن أصل هذه القائمة، وكذلك عدد آخر من المؤشرات والقرائن كانت منذ ذلك الوقت قد أقنعتني بأن تلك الموجة من الاغتيالات المنسوبة تلقائيا إلى الإسلاميين، والتي مست العديد من المثقفين المناهضين للإسلاميين ما بين شهري مارس وجوان 1993 تتماشى مع نفس المنطق، وبالتالي من المحتمل جدا أن تكون مدبرة من نفس الأشخاص وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد اغتيل خلال هذه الفترة حفيظ سنحدري عضو(م.إ.و/CCN) وعضو مؤسس لـ (ل.و.إ.ج/CNSA) وجيلالي اليابس وزير سابق للتعليم العالي، ومدير (م.و.د.إ.ش/INESG) (وكان يعطي كذلك دروسا في مدرسة الـ"أ.ع/SM") والهادي فليسي طبيب في القصبة، عضو في (م.إ.و/CCN) والطاهر جاووت مدير أسبوعية "القطيعة"، الأستاذ محفوظ بوسبسي عضو لجنة البحث عن الحقيقة في مقتل الطاهر جاووت ومحمد بو خبزة الذي كان قد خلف جيلالي اليابس بثلاثة أشهر بعد ذلك على رأس (م.و.د.إ.ش/INESG)، فمن له مصلحة في قتل الهادي فليسي الطبيب الذي كانت عيادته دائما مفتوحة لفقراء القصبة؟ وكذلك جيلالي اليابس رجل في منتهى الجد والذي استطعت أن أقدر قيمته من خلال المحاضرات التي كان يلقيها في مدرسة الـ(أ.ع/SM)؟ كتابات الطاهر جاووت هل كانت تقلق الإسلاميين أكثر من أجراء النظام؟ إن الشيء المؤكد هو أن ممثلي "المجتمع المدني" أصبح عندهم منذئذ سبب معقول جدا لمعارضة "مجانين الله" وتأييد مخطط العسكر بدون تحفظ، أما الآخرون الذين ظلوا يشكون فسيدفعون أعمارهم ثمنا لذلك مثل الصحافي سعيد مقبل الذي اغتيل في 3 ديسمبر 1994.

وهكذا يتواصل السقوط في الجحيم وليس من الصدفة بمكان أن تتم في آخر أكتوبر 1993 عملية اختطاف "حقيقية مزيفة" لثلاثة موظفين بالقنصلية الفرنسية في الجزائر(جان كلود Jean-Claude، وميشال تيفينيون Michéle Thévenot، وآلين فريسيي Alain Fressier) 85  وقد أعطى المختطفون آخر إنذار لتخويف الأجانب كي يغادروا الجزائر حتى تتواصل "الحرب القذرة" في دائرة مغلقة بعيدا عن أنظار الأجانب وبدون أي شهود مقلقين أو محرجين.

 
" طافـرو" مركز عـنتر

 

أثناء إقامتي بالجزائر في يوليو 1994 بمناسبة عطلتي السنوية أديت زيارة مجاملة لضباط مصلحة البحث في (م.ج.م/DCE) الموجودين في مركز عنتر، وكم كانت دهشتي عظيمة حين علمت أن بين "الأعمال البطولية" لقدماء وحدتي توجد الاغتيالات، الاختطافات، الاعدامات بدون محاكمة للمشتبه في كونهم إرهابيين، كما علمت أيضا ودون أن أبحث عن ذلك بأن "فرق الموت" الذائعة الصيت كانت في الواقع حقيقة فظيعة! مشهدان اثنان تركا في نفسي أثرا عميقا إثر زيارتي لمركز عنتر في ذلك اليوم. أولهما هو رؤية الضباط الشبان86 الذين كانوا تحت مسؤوليتي قبلها بسنتين مراهقين خجولين، أصبحوا "وحوشا" يبتهجون ويهللون لفكرة الذهاب إلى سيدي موسى "لشبك" أحد الإسلاميين المسلحين، وينتظرون بفارغ صبر الذهاب لإيقافه "وقتله" إن هو حاول المقاومة! اعترف أنني لم أصدق نفسي. فهل كانوا مخدرين؟ كل ما أستطيع أن أقوله هو أن ذلك السلوك لم يكن طبيعيا أمام هذا الموقف الغريب الذي لا يصدق، لم أستطع أن أمسك نفسي عن إجراء مقارنة بين هذه الحالة وحالة أخرى مماثلة وقعت في مارس 1991 عندما أعطانا (م.ج.م/DCE) الأمر (الذي ألغي بخمس أو عشر دقائق قبل انطلاق عملية التنفيذ) بإلقاء القبض على أعضاء مجلس الشورى للـ (ج.إ.إ/FIS) وبصفتي مكلفا بتنظيم هذه العملية فقد شكلت مجموعة من خمسة عناصر، على رأس كل واحدة منها ضابط من (م.ب.ت/SRA) لكل واحد من قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) المطلوب القبض عليه. وقد كان الأمر يتعلق بعملية في غاية السرية، ولم يعلم الضباط بهذه العملية إلا في الساعة التاسعة مساء، وكان عليهم الانتظار حتى منتصف الليل، وتلقي إشارة الانطلاق من (م.ج.م/DCE) للشروع في التنفيذ، وبعد أن علموا بالمهمة، وفي انتظار ساعة الصفر كانت العديد من وجوه الضباط منقبضة وشاحبة، مع أن العديد منهم كان محنكا ومتعودا على هذا النوع من العمليات، بل إن بعض الضباط ترجوني أن أعفيهم من المشاركة في هذه العملية متذرعين بالسـن، والعائلة، والصحة...لا يمكن تصور ارتياحهم النفسي لمّا علموا بعدها بإلغاء العملية كلية.

في حين أنه وبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ أصبح ضباط الـ(م.ب.ت/SRA) الشبان يشوقون للمخاطرة والذهاب في رحلة "صيد الإرهابيين"، لم يعد للحياة معنى بالنسبة إليهم وبالأحرى لم يعد للحياة أية قيـمة لديهم، ويتعين علي القول أنه قد صعب علي لحظتها أن أتقبل هذا التحول الحاصل لهؤلاء الشبان وعللته "بغريزة حب البقاء" أمام الضغط الذي كانوا يتعرضون له وكذلك التهديدات والأخطار التي كانوا يعايشونها يوميا!87

أما المفاجأة الثانية التي أدهشتني حقا فهي أن أعلم بأن جمال زيتوني المعتبر من أخطر عناصر الـ(ج.إ.م/GIA) يتجول بكيفية عادية وبكل حرية داخل أحياء (ق.إ.أ/DRS) في دالي براهيم! وبمحض الصدفة علمت أنه يعمل لحساب الثلاثي كمال عبد الرحمان، إسماعيل العماري وتوفيق.

لقد كنت أتحدث مع الرائد رشيد بتشين المدعو زياد، وهو الرئيس الجديد لـ (م.ب.ت/SRA) عندما طلبه كاتبه مخبرا إياه بأن أحدا يريد أن يراه، فصرخ بكل عصبية أمامي بأنه لا يريد أن يقابل "عميلا إسلاميا" ولأنه لم يكن لديه أية تعليمة محددة يعطيها له، فبنص كلامه يرفض "أن يثق في أصولي" وبكل حيرة سألت بعد ذلك المقدم فريد غبريني الذي خلف الرائد عمار ڤطوشي على رأس (م.ر.ع/CPO) فباح لي أن هذا العميل لم يكن شخصا آخر غير جمال زيتوني، وأن هذا البائع السابق للدجاج (الذي كان يمون عائلات الضباط الساكنين في الحي العسكري بشوفاليي في العاصمة) قد جند في مستهل سنة 1993 من طرف (ق.إ.أ/DRS) ليصبح أميرا للـ(ج.إ.م/GIA) وهو الآن بصدد اجتياز "دورة تكوين" ومن خلال نص ألفاظه كان الأمر يتعلق بـ"قطع رأس المقاومات الإسلامية الحقيقية" (وسأعود إلى حالة زيتوني في الفصل التالي) حينها لم أعرف إلا نصف القضية المروية من طرف رئيس (م.ر.ع/CPO)، وظننت وقتها أنه يريد أن يدهشني فقط!

 إن ضباط الصف الذين يتمكنون من "النفاذ" إلى الـ(أ.ع/SM) – وتلك هي حالته- عندهم دائما ميل نحو المبالغة لتعويض شعورهم بالنقص، بصنائع أو مفاخر أكثر أو أقل خيالية لتبرير ترقيتهم الاجتماعية والمهنية. وبما أن الرائد زياد لم ينطق اسم جمال زيتوني، فقد اعتقدت أولا أن الأمر يتعلق "بأمير" من أمراء الحي، ولكن مع الأسف أن هذه المعلومة قد تأكدت لي في اليوم نفسه من عدة مصادر88 وعند اطلاعي على هذا الواقع المفزع والمرعب قلت في نفسي : "يا إلهي إنه الفقدان المطلق للضمير!" وتعليقا على هذه القضية –جزئيا- مع الرائد جعفر خليفاتي والملازم أول عبد العزيز جرافي (وهما على التوالي: رئيس ونائب رئيس مصلحة الاستغلال بـ "م.ر.ع/CPO")لاحظت أن كليهما كانا يشاطرانني الرأي عندما قلت لهما بأن :" هذه المخاطرة من شأنها أن تذهب بنا بعيدا جدا!" وتعبيرا عن موافقتهما على كلامي، وعجزهما عن فعل أي شيء، قال لي جعفر ببساطة "إنه ظلم!"

حقيقة إن الذي اكتشفته في ذلك اليوم قد ترك أبلغ الأثر في نفسي.

 

بشيـر طرطاڤ "وحـش" بن عكنون!

 

إن مفاجأتي كانت أكبر من كل سابقاتها عندما زرت (م.ع.ر.ب/CPMI) ببن عكنون الذي يسيره المقدم عثمان طرطاڤ المدعو "بشير" لقد عرفت هذا الضابط في بداية الثمانينيات في عنابة، وقد أصبح وقتها صديقا (كان يسكن شقة في حي جايبوت بما لا يزيد عن عشرة أمتار من الحي العسكري حيث كنت أسكن) لقد كان من رؤساء (م.أ.ق/BSS) القلائل الذين يطبقون تعليماتي حرفيا، كما كانت تقاريره التي يوجهها إلي خالية من الأخطاء، نظرا لتحريرها الجيد. وحتى مناوشات 1987-1989 بين (م.ع.و.أ/DGPS) و(م.م.أ.ج/DCSA) لم تؤثر في صداقتنا لأنه وعلى العكس من العديد من الزملاء لم أكن أجري أي تمييز بين (م.ع.و.أ/DGPS) و(م.م.أ.ج/DCSA) أو (م.ج.م/DCE) و(م.م.أ.ج/DCSA) فيما بعد لأنني كنت أنطلق من مبدأ كوني اخدم الدولة ليس إلا. ولذلك وبالرغم من الحواجز القائمة فإن العديد من مسؤولي (م.م.أ.ج/DCSA) كعثمان طرطاڤ ومحمد بوزيت المدعو يوسف، أو بلبحري المدعو فارس بقوا كلهم أصدقاء.

لقد كان (م.ع.ر.ب/CPMI) في بداية الثمانينيات مقرا لمديرية الوقاية الاقتصادية والجوسسة المضادة، والأمن الداخلي. وبعد التقسيم الحاصل (م.ع.و.أ/DGPS) - (م.م.أ.ج/DCSA) ألحق مركز بن عكنون بهذه المديرية الأخيرة.

وكما كنت قد ذكرت من قبل، فإني أعرف أن إطارات (م.ع.ر.ب/CPMI) يهتمون بالإسلاميين منذ 1990 (حتى ولو أن مهمتهم كانت عسكرية محضة) لأن ضباطي الذين يقومون بالدوريات ليلا، والذين كانوا يوزعون "البيانات المزورة" المنسوبة للـ (ج.إ.إ/FIS) أخبروني في العديد من المرات أنهم كثيرا ما باغتوا زملائهم من (م.ع.ر.ب/CPMI) وهم يكتبون على الجدران شعارات "إسلامية " في الأحياء الساخنة في العاصمة، كباش جراح، والقبة، بئر خادم، (وهو ما أكده لي الرائد بلبحري، وهو صديق لي كان على رأس (م.ع.ر.ب/CPMI) قبل أن يخلفه عثمان طرطاڤ، ويعين ملحقا عسكريا في القاهرة)

وفي مارس سنة 1992، أثناء جلسة عمل مع مسؤولي (ق.إ.أ/DRS) الملحقين ب(ق.ق.بر/CFT) بعين النعجة باح لي أحدهم وهو عمر توميات (الذي كان يحضر تقريرا عن العسكريين "ذوي الميول الإسلامية") بسر مدهش، وهو أن العقيد كمال عبد الرحمان قد أعطى تعليمات لعثمان طرطاڤ بألا يقدم "الإسلاميين الميؤوس منهم" إلى العدالة ! مضيفا أن عملهم هكذا أصبح ميسرا. حيث أنه بمجرد أن يلقى القبض على أي إسلامي خطير يقضى عليه باصطناع أي حجة كالدفاع عن النفس من طرف الحارس، أو محاولة الهروب من طرف الموقوف أو اختلاق أية ذريعة من الذرائع. وأعترف أنني قد صعب علي تصديق كلام مثل هذا لحظتها. زيادة على أنني لم أذهب بعيدا في بحثي للتأكد من ذلك، لأنه لم يسبق لي أن أخطرني أي شخص آخر وقتها بمثل هذه التصرفات، غير أنه مع الأسف الشديد قد تأكد لي ذلك كله فيما بعد، وهو أبعد مما يمكن أن يتصوره إنسان لأني رأيت ذلك كله وسمعته بنفسي أثناء زيارتي لـ(م.ع.ر.ب/CPMI) في يوليو 1994. لقد كان حقا شيئا فظيعا!! فأثناء حديثي مع المقدم عثمان طرطاڤ عرفت أنه ومن بداية 1992 قد كون بأمر من العقيد كمال عبد الرحمان وحدة "مغاوير" تدعى "وحدة عمليات" مكلفة ليس بقتل المشتبه فيهم فحسب، بل كذلك بإرهاب عائلات الإسلاميين في الأحياء التي كانت تعتبر معاقل لهم. ومن خلال أقواله:" لقد كانوا يقطعون سبل الدعم عن الأصوليين الذين لا ينبغي أن يجدوا أي مأوى لدى أقاربهم"، كانت هذه الوحدة مشكلة من عدة مجموعات تتكون كل واحدة من خمسة إلى عشرة عناصر متزيين ببزات "أفغانية" ويحملون لحىً عمرها حوالي عشرة أيام، وفي منتصف الليل يذهبون إلى الأحياء "الإسلامية" كالشراربة، الكاليتوس، سيدي موسى، مفتاح...الخ على متن سيارات مدنية مموهة، لاستهداف عائلات معينة، هي عائلات الإسلاميين الملاحقين. يقرعون الباب صائحين :" افتحوا، نحن مجاهدون!" وبمجرد أن يفتح الباب يكون كل أصحاب الدار مقتّلين شر قتلة! وفي اليوم التالي تنسب الصحافة الوطنية هذه الأفعال إلى الإسلاميين أو إلى حرب الأشقاء التي تمزق صفوفهم! ففي سنة 1993-1994 بلغت الحصيلة اليومية لهذه التعديات ما بين عشرة إلى أربعين ضحية!

وقد برروا هذه الحملة العقابية ضد "الإسلاميين المتشددين" بزعمهم أنها كانت بمثابة إجراء "وقائي" يستهدف المتعاطفين مع الـ (ج.إ.إ/FIS) المعتقلين في معسكرات الجنوب حتى لا يلتحقوا بالجبال بعد إطلاق سراحهم، ولكن الأمر يتعلق على الخصوص بإرهاب السكان، والتخلص في نفس الوقت من الإسلاميين المقتنعين الذين يرفضون التعاون مع الأجهزة، ويخشى استفادتهم من "مجاملات " العدالة. وقد صرح لي المقدم طرطاڤ هكذا :"ماذا يفيد تقديمهم إلى العدالة إذا كانوا سيطلق سراحهم بعد ثلاثة أو ستة أشهر ليعودوا إلى التحرش بنا من جديد! ولذلك فبمجرد أن يسقط أحد بين أيدينا لا يتعرض للذهاب إلى السجن! ها أنت ذا ترى أننا نساعد الدولة على توفير الأموال" يا للاستهتار! بكل صدق لقد اهتزت مشاعري من الأعماق، إن محدثي لم يعد ذلك النقيب بشير الذي عرفته في قسنطينة، لطيفا، خدوما، خلوقا، إنسانيا بل كان أمامي المقدم طرطاڤ المتحول إلى وحش ضار، إلى طافر.

صعب علي أن أصدق هذا التحول الجذري الحاصل لهذا الشخص! هاهي ذي نتائج "خطة العمل" التي أعدها مستشارو خالد نزار في أواخر سنة 1990، لقد كان هدفها نشر الحقد والشقاق في قلوب الجزائريين، تقسيم الشعب للتمكن الجيد من تملك الريع والاستحواذ على مقدرات الوطن دون أي منازع أو محاسب!

وبعد سنوات من ذلك يعترف الجنرال نزار ذاته في مذكراته بارتكاب "أخطاء" معتبرا تلك "التجاوزات" بالأمر العادي، لكن الطابع التنظيمي لتلك الجرائم يمنع إدراجها بأية صفة من الصفات في عداد "الانحرافات" المنعزلة.

وعند مغادرتي لـ(م.ع.ر.ب/CPMI) تذكرت جملة المرحوم محمد بوضياف "الجزائر إلى أين؟" (وهو عنوان كتاب له صدر سنة 1963 عندما دخل في المعارضة داخل النظام) لأنني لم أكن أتصور أن الشرطة والدرك يقومون بهذه الأعمال، ولكن يوجد كذلك الميليشيات (ج.د.ذ/GLD) التي ستسلح هي أيضا، وقد انفلت الوضع بعد ذلك واستحال التحكم فيه سنوات طويلة تاركا الساحة لقانون الغاب، قانون الأقوى !

حكايات ابتزاز المال، الاغتصابات، الاغتيالات، تصفيات الحسابات، اللصوصية، كل ذلك كان مع الأسف حقيقة!! لقد ترك الشعب البسيط يواجه مصيره لوحده دون أية حماية، هاهو ذا العمل الجليل والإنجاز العظيم الذي يمثل زهو وكبرياء وخيلاء الثلاثي توفيق وإسماعيل وكمال، ومناصريهم.

وبعد سنوات من ذلك تحصلت على معلومات محددة ومهمة فيما يخص فرق الموت التي كان يقودها بشير طرطاڤ من مكتب (م.ع.ر.ب/CPMI).

ففي شهر يوليو 2002 التقيت بإحدى البلدان الأروبية بالنقيب حسن أوڤنون المدعو "هارون" ضابط منشق عضو(ح.ج.ض.أ/MAOL) الحركة التي كشفت عن العديد من الحقائق، واشتهرت بموقعها على الإنترانيت الذي أنشئ سنة 1997 (WWW.ANP.ORG) وقد فضحت فيه جرائم سلطة العسكر في الجزائر.

لقد كان هارون في منصبه في (م.م.أ.ج/DCSA) حتى سنة 1990 (عمل في (م.ع.ر.ب/CPMI) تحت أوامر المقدم طرطاڤ) ثم شغل بعد ذلك منصبا استخباريا في سفارة الجزائر بباريس حتى إنسحابه سنة 1995. لقد أكد لي إذن وجود جماعات الرعب التي شكلت منذ 1992 على مستوى (م.م.أ.ج/DCSA)، وحسب قوله فإن "فرق الموت" هذه عينت تحت اسم "وحدة 192" (رقم "1" يشير إلى يناير ورقم "92" يشير إلى 1992 وهو سنة الانقلاب) وقد شكلها الجنرالات أصحاب القرار، وعهدوا بها إلى العقيد كمال عبد الرحمان. وكانت مهمتها الأولية تتمثل في "تحييد" كل ضباط الجيش الذين يعارضون توقيف المسار الانتخابي. وقد كانت هذه " الوحدة 192" تتكون من عناصر (م.ع.ر.ب/CPMI) ببن عكنون، ومدعمّة بمغاوير مظلات من القوات الخاصة لـ(ج.و.ش/ANP) وبسرعة تحولت هذه الوحدة (192) إلى وحدة مكافحة حرب العصابات مكلفة على الخصوص باختراق التنظيمات الإسلامية (بواسطة أحد التائبين باصطناع عملية فرار، أو تسريب ضباط صف "بغطاء" مدني) ومطاردة المقاومة المسلحة والمعارضين الإسلاميين، على الخصوص في المدية وعين الدفلى وقد كان يتم تشجيع "المرتزقة الجدد" ورفع معنوياتهم بواسطة العديد من الامتيازات المتنوعة: علاوات، تقديم وتسريع الترقية في الرتب (الكثير من ضباط الصف هؤلاء وجدوا أنفسهم اليوم برتبة رائد بل حتى عقيد!) السكن، السيارة، التجارة، الاستفادة التامة من عدم المعاقبة عند القيام بأعمال ضد القانون (الاتجار في الممنوعات، استهلاك المخدرات، الاغتصاب...) أو عندما يسرقون الأموال أو الحلي أو أية أشياء ثمينة أثناء القيام بالتفتيش.

وحسب أوڤنون فإن "فرقة الموت" كما كانت تسمى هذه الفرقة عموما (من طرف العسكر المورطين في الحرب ضد الإرهاب) تكون مسؤولة عن العديد من اغتيالات المدنين التي نسبت إلى الإسلاميين (كمحمد بوخبزة في 22جوان1992، قاصدي مرباح 21 أوت 1993) كما تكون فرقة الموت هذه مسؤولة عن المجازر المرتكبة ضد السجناء في برواڤية (49 قتيلا في13 نوفمبر 1994) وسركاجي(109 قتلى في21 فبراير 1995) كيف يمكن تفسير ذهاب العديد من ضباط الـ(ج.و.ش/ANP) (خاصة التابعين لـ (ق.إ.أ/DRS) والقوات الخاصة بالذات) بعيدا في الهيجان القاتل، وخرق القانون؟

إن الطريقة المتبعة من الجنرالات "أعضاء العصابة" بسيطة وهي تتمثل في توريط الضباط إلى أقصى مدى ممكن (توريطهم كل يوم أكثر فأكثر في التعديات والخروقات إلى درجة يصبحون معها غير قادرين على الرجوع إلى الوراء والخروج من دوامة العنف) أو إفسادهم إلى درجة يصبح معها الدفاع عن النظام يساوي الدفاع عن مصالحهم الخاصة. إنها دوامة تلزم وتحكم على كل الإطارات المشاركة في العملية بالتضامن مع رؤسائهم المجرمين.

 

 

 

(م.ش.ج.ح/OJAL) فرقة الموت التابعة لـ (ق.إ.أ/DRS)

 

لكن هناك شكل آخر من فرق الموت المستلهمة تقليديا من " المدرسة الفرنسية" في هذا الاختصاص، قد استخدمت كذلك من طرف " عصابة يناير " فمنذ سنوات الخمسينيات خلقت أجهزة المخابرات الفرنسية " اليد الحمراء" وهي جماعة مدنية مزعومة قتلت العديد من المناضلين المناهضين للاستعمار في بلاد المغرب العربي، ولقد طبق هذا النموذج من جديد في سنوات 1970 من طرف دكتاتورات أمريكا اللاتينية (البرازيل، الشيلي، قواتيمالا، الأرجنتين...) تحت تسميات مختلفة("الثلاثي أ Triple A"، "مانونيجرا Mano negra"، الخ) وفي الجزائر ستكون خصوصا لـ(م.ش.ج.ح/OJAL) (منظمة الشبيبة الجزائرية الحرة) التي وقعت أولى عملياتها المزعومة كمنظمة مدنية سرية مناهضة للإسلاميين في نوفمبر 1993 ولقد بدأت (م.ش.ج.ح/OJAL) تنشط بصفة خاصة في شهري مارس وأفريل 1994 ولكن نسبت إلى نفسها عشرات الاغتيالات التي تركت بصمات دامية ودائمة في الجزائر العاصمة والبليدة والشلف وبوفاريك، وهاكم مثالا واحدا من بين العديد من الأمثلة عن تعدياتها: يوم 11 أفريل 1994 اكتشفت في عين النعجة جثث خمسة شبان مقتولين تحمل رسالة من توقيع (م.ش.ج.ح/OJAL) تقول: " هذا هو المصير الذي ينتظر أولئك الذين يساعدون الإرهابيين" وضحية أخرى لـ(م.ش.ج.ح/OJAL) هو محمد بوسليماني رئيس الجمعية الخيرية الإصلاح والإرشاد، رجل محترم جدا لاستقامته ونزاهته، والذي سبق أن تحدثت عنه (وهو عكس الشيخ محفوظ نحناح قد رفض الدخول في المعترك السياسي، مفضلا تكريس نفسه للتربية الإسلامية والدعوة إلى إسلام عادلا، متسامح، وسلمي وقد كان يمثل بذلك التوجه خطرا على جنرالات (ق.إ.أ/DRS) الذين ظلوا يبحثون دوما عن كل ما من شأنه أن يشوه صورة الإسلام الحقيقي لتبرير حربهم ضد الأصوليين...)

لقد اختطف بوسليماني في 26 نوفمبر 1993 من مقر سكناه بالبليدة. وقد وجد مذبوحا في 23 يناير 1994. ومن العجيب المريب أن يتبنى كل من (م.ش.ج.ح/OJAL) والـ(ج.إ.م/GIA) كلاهما وفي وقت واحد عملية الاختطاف هذه، (والاثنان من صنع "النظام" وطبعا لم يجر أي تحقيق في هذه الجريمة شأنها شأن الجرائم الأخرى المرتكبة على امتداد السنوات. والتي ظل مرتكبوها إلى حد الساعة دون عقاب من عدالة الأرض! لقد اطلعت في سنة 1995 على حقيقة أصل (م.ش.ج.ح/OJAL) عن طريق ضابط كان ضمن القوات الخاصة التابعة لـ (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) العقيد محمد بن عبد الله الذي كان يعمل تحت أوامري في جوان 1991 أثناء إدارة حالة الحصار، والذي سير فيما بعد مركز الاستقبال في الليدو ابتداء من فبراير 1992 (والذي كان يعبر من خلاله الإسلاميون الموقوفون قبل إرسالهم إلى معسكرات الجنوب) لقد شارك هذا الضابط بفعالية في " صيد الأصوليين" على رأس وحدة تابعة لـ(ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) "(وهذا يعني أنها تتلقى الأوامر مباشرة من الجنرال محمد العماري) و(ق.إ.أ/DRS) معا"، وتتعاون على نطاق ضيق مع (م.إ.ب.ت/CTRI) بالبليدة.

وفي 1995 أرسل إلى ألمانيا في دورة تربص، وكنت حينها في منصبي ببون مكلفا بمتابعة متربص الجيش، فكنت استقبلته إذا بانتظام في مكتبي حيث لم يكن محرجا ليحكي لي عن "إنجازاته". لقد كان هذا العقيد يتبجح أمامي بكونه أحد مسؤولي (م.ش.ج.ح/OJAL) إحدى فرق الموت التي خلقها (ق.إ.أ/DRS) بمبادرة من الجنرال توفيق89 ولقد شارك بكيفية مباشرة في تعديات كثيرة تحمل إمضاء هذا الاسم(م.ش.ج.ح/OJAL) وقام بهذه المهمة البائسة في كل من البليدة وبني مراد والشبلي...وقد اعترف لي بأن العناصر التي يقودها كانوا يضعون الأقنعة على وجوههم أثناء القيام بالعمليات (وبمنتهى الجسارة حمل معه " قناعه" إلى ألمانيا!!) التي تنسب لاحقا إلى (م.ش.ج.ح/OJAL)، أو يتنكرون كذلك في هيئة إسلاميين للقيام بعمليات اختطاف، واغتيالات ولدعم أقواله بالأدلة ذكر لي كذلك وقائع أخرى مستحدثة كتوزيع بلاغات كاذبة في ربيع 1994 منسوبة إلى الإسلاميين تفرض حضر التجول في البليدة والمدية، وعين الدفلى ابتداء من الثامنة مساء. لتمكين المظليين الذين يقودهم من القيام بعملياتهم بدون حرج! ولقد استطعت أن أتأكد لاحقا من أن كل ما ذكره لي العقيد بن عبد الله كان صحيحا! وتأكدت كذلك من صحة البلاغ الذي وزعه (م.ش.ج.ح/OJAL) في 19 مارس 1994 الذي يتضمن التهديد بقتل عشرين امرأة متحجبة مقابل كا امرأة تقتل من طرف الإسلاميين وبعد يومين من ذلك أصدروا بيانا آخر أعلنوا فيه أن أي شرطي أو عسكري يقتل من طرف الإسلاميين سيثأر له. وفي اليوم التالي من هذا البلاغ الثاني وجد 14 شابا مقتولين بالرصاص في البليدة، بعد حملة مداهمات ليلية قام بها مظليو بن عبد الله، في أعقاب اغتيال 6 شرطيين وزيادة على ذلك فقد سجلت الصحافة وجود 152 جثة ملقاة في شوارع كل من مدينتي البليدة ووادي الفضة(ولاية شلف) في الفترة ما بين 19-22 مارس 1994.

وقد كشف لي العقيد بن عبد الله كذلك أن القيادة العسكرية 90 وضعت حدا لهذه العقوبات والمعاملة بالمثل التي تتم باسم هذه المنظمة، لأن بعض الضباط قد أبدوا تحفظهم من مواصلة هذا العمل القذر، وخاصة لأن هذه المهمة سيعهد بها قريبا إلى أعضاء (ج.د.ذ/GLD) التي ستتولى القيادة العسكرية تسليحهم وتأطيرهم.

إن (م.ش.ج.ح/OJAL) كمنظمة لم توجد على الإطلاق، فهي من اختلاق(ق.إ.أ/DRS)، وقد ضخمتها الصحافة الجزائرية بغرض تخويف الإسلاميين، ونستطيع أن نقول بأن الرئيس الحقيقي لـ (م.ش.ج.ح/OJAL) هو الجنرال محمد العماري لكونه قائد (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) الذي تتبعه وحدات المغاوير المظلية، وعناصر (ق.إ.أ/DRS) المسؤولين عن كل هذه التعديات. وزيادة على كل ذلك فإن العقيد بن عبد الله قد أشار لي أنه إذا كان الإسلاميون قد اغتالوا العديد من الشخصيات السياسية فإن الجيش هو الآخر لم يقل عنهم في عدد الاغتيالات كذلك. فقد أكد لي أن أوامر قيادة الجيش هي " الرد باغتيال كل صحفي أو عالم أو مسؤول يقدم الدعم للقضية الإسلامية"

 

تكـويـن الميلـيـشيـات

 

في أفريل 1994 خطا "أصحاب القرار" خطوة جديدة في دعم طريقتهم الخاصة في الحكم، مستلهمين أكثر فأكثر وبكيفية جلية أساليب قوات الاحتلال الفرنسي، ومن ذلك تكوين الميليشيات بدعوى التوصل إلى القضاء النهائي على الإرهاب، وكانت الفكرة تتمثل في توريط السكان في هذه "الحرب القذرة" بدفعهم إلى المطالبة بالسلاح للدفاع عن هذه القرى والمقاطعات الريفية. وقد خضع هذا التكتيك لخطة محكمة، لأن المجابهات إذا كانت محصورة بين الطرفين المتصارعين اللذين يتمثلان الجنرالات من جانب، والإسلاميين من جانب آخر، فإن المجتمع المدني المستعمل كحصان طروادة كان سينتهي به الأمر إلى اكتشاف المخطط الحقيقي لهذه الحفنة من الجنرالات، منذ تطبيقها من طرف الجنرال شال في حرب الجزائر الأولى، فإن تكوين الميليشيات قد أدرج في المخططات التقليدية لمكافحة العصابات.

ففي سنة 1957 قام الجيش الفرنسي بمضاعفة تشكيل وحدات الحركى المشكلة من المسلمين الجزائريين الذين اختاروا عن قناعة أن يخدموا مشروع الجزائر الفرنسية سواء بسبب المصلحة والحاجة أو نتيجة الخوف، ونتيجة لقربهم من مجاهدي جيش التحرير الوطني فقد توصلوا إلى إضعاف وضعهم في المقاومة. وقد بلغ عدد أفراد هذه الميليشيات المساعدة لجيش الاحتلال حوالي 160 000 رجل موزعين بين "حركي مهاجم" و(ج.د.ذ/GLD) في القرى والمداشر، وكما يبدو فإن جنرالاتنا لم يخترعوا شيئا فهم لم يفعلوا شيئا غير القيام بتطبيق هذا الأسلوب الاستعماري والذي تلقنوه عن أساتذتهم وطبقوه منذ أكثر من أربعين سنة خلت وقد قاموا بتطبيقه من جديد بدقة متناهية، مع تكييفه، بما يناسب الظروف الجديدة. إن الميليشيات سواء تعلق الأمر بـ"الباتريوت" أو "(ج.د.ذ/GLD)" كونت رسميا في مارس 1994 بمبادرة من العقيد سليم سعدي وزير الداخلية وقد كانت أجورهم تدفع من ميزانية وزارة الداخلية. بدأ عدد أفرادهم في الأول بـ 80 000 (ثم تضاعف هذا العدد في السنوات الثلاث اللاحقة) وقد وضعوا تحت سلطة "قطاع العمليات" في ولاياتهم، (فمثلا قطاع عمليات الجزائر) يتبع لـ(ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS). إن (ج.د.ذ/GLD)على عكس ما يشير إليهم اسمهم "جماعات الدفاع الذاتي". لم تكن وظيفتهم مقتصرة على هذه المهمة فقط بل كانوا يقومون بنصب الكمائن ويشاركون في عمليات إلى جانب الفرق الخاصة. وهكذا تحولوا إلى جنود مساعدين لقوات الجيش الخاصة، وإلى مخبرين يزودون (ق.إ.أ/DRS) بالمعلومات الاستخباراتية التي يجمعونها عن سكان أحيائهم وقراهم، بما يمكن مصالح الأمن من تجديد وضبط بطاقياتهم بكيفية مستمرة. لقد حل الإرهاب جزءا من مشاكل النظام حيث أن العديد من الشباب البطال، الذين سدت في وجوههم منافذ الحصول على الرزق وجدوا في الالتحاق بالميليشيات مخرجا لهم!

فالجيش يتكفل بالإمداد ومصالح الأمن تتكفل بالتأطير. وهكذا فباسم الدفاع عن الجمهورية يصبح الشبان المجنّدون يتقاتلون مع إخوانهم الذين صعدوا إلى الجبال.

بعيدا عن المساهمة في إحلال الأمن، بل العكس هو الذي حصل مع قدوم الميليشيات حيث تضاعف العنف بشكل جنوني، ففي سبتمبر 1997 أنجز تقرير من طرف أمن الجيش (م.م.أ.ج/DCSA) وقدم في اجتماع ضمّ أهم القادة الرئيسيين للجيش بحضور الرئيس اليمين زروال، أكد أن نصف "الحواجز المزيفة" المنسوبة إلى الإسلاميين الذين تظاهروا كأعضاء في قوات الأمن!! والتي أسفرت عن المئات من القتلى منذ بداية السنة، كانت في حقيقة الأمر من فعل الميليشيات المناهضة للإسلاميين، والذين كانوا يطلبون الفدية وأحيانا يقتلون المدنيين ثم ينسبون تلك المجازر إلى الـ(ج.إ.م/GIA). (وقد كشف التقرير كذلك أن العديد من رؤساء الوحدات في قوات الأمن كانوا يموهون موت جنودهم المقتولين في العمليات بأنها وفيات طبيعية، وعرضية كي يقدموا حصائل عن عمليات مظفرة) 91.

إن ذكر كل هذه "الإنجازات" التي حققتها الميليشيات في هذا الإطار من الظلم، واللاعقاب وخاصة بوفاريك (ميليشيات محمد سلامي) أو في البويرة (ميليشيات حاج زيدان المخفي) سيأخذ مساحة كبيرة من هذا الكتاب، وعليه فسأكتفي هنا بذكر الحالة الأكثر شيوعا، وهي حالة الحاج فرڤان رئيس ميليشيات غيليزان في غرب البلاد. ففي سنة 1996 أدان محمد إسماعيل (المسؤول المحلي للـ"ر.ج.د.ح.إ/LADDH") علانية وجود مقابر جماعية في غيليزان واتهم تحديدا الحاج فرڤان باختطاف أحد الإسلاميين "التائبين" في 24 أوت 1996، وتعذيب وقتل العديد من الأشخاص من بينهم حارس مرأب إحدى المؤسسات البلدية، حيث احتجز هؤلاء الضحايا، وعذبوا واغتيلوا، وقد اتهمه كذلك لكونه ظل محميا لمدة طويلة من طرف مسؤولين سامين سياسيين وعسكريين على المستوى المحلي والوطني مثل الجنرال محمد بكوش الوالي إبراهيم لمهل أو وزير الداخلية السابق مصطفى بن منصور ("الذي بنى له فيلا بأكثر من مليار سنتيم"، حسب محمد إسماعيل).

والدليل على أن الحاج فرڤاني ما يزال محميا من طرف تلك الشخصيات حتى الآن هو أن الذي أدانته المحكمة في سنة 2001 بتهمة القذف وحكمت عليه عدالة الأوامر الفوقية بسنة سجن نافذة هو محمد إسماعيل المدافع عن حقوق الإنسان، وليس الحاج فرڤاني المجرم في حق الإنسان وقد احتجت الـ"ر.ج.د.ح.إ/LADDH" على عدم إدانة الحاج فرڤاني على أي من تلك الجرائم التي ثبت تورطه فيها ثبوتا قطعيا، ولم تجد العدالة طريقا إليه بل ما يزال يستفيد من " سكن أمني" حتى الآن، وقد حدث أن أوقف مرة هو والحاج العابد "رئيس بلدية جديوة" في أفريل 1998، على إثر شكوى قدمت في حقهما بتهمة سلب الأموال، وقتل ما بين 50 و70 شخص دون محاكمة، ولكن مع كل ذلك لم يدم توقيفهما أكثر من 12 يوما ليطلق سراحهما بعد ذلك، وهما لا يزالان دون عقاب حتى الآن في "دولة القانون"

 

مارس 1994 "الرعب يجب أن يغير معسكره" أو تأرجح الشناعة !!

 

يوم 10 مارس 1994 تم هروب 1 200 مسجون بطريقة مثيرة، من سجن تازولت في وقت تناول الإفطار في رمضان، يقع السجن بحوالي 400 كم شرق الجزائر، ويكنى كذلك بـ"ألكاتراز" وهو مشهور بتعاسته لفظاعة نظامه السجني92 لقد عرف عن هذا السجن أنه بمثابة قلعة محصنة يستحيل الهروب منه بدون تواطؤ المصالح (لاسيما أن الهروب قد تم عن طريق هجوم 300 "إرهابي" وعشرات الشاحنات التي كانت تنتظر الفارين، وهو ما لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يمر دون لفت الانتباه في قرية صغيرة مثل تازولت) إن السجن يقع في نطاق الناحية العسكرية الخامسة بقسنطينة، ومن المحتمل جدّا أن هذه العملية كانت مخططة من العقيد كمال حمود الذي كان وقتها مسؤولا عن (م.إ.ب.ت/CTRI) بقسنطينة93. ولقد علمت في وقت لاحق من العقيد علي بن جدة المدعو "إسماعيل الصغير"94 بأنه من بين هؤلاء الفارين كان يوجد عدد كبير من "الجواسيس" المبثوثين من (ق.إ.أ/DRS)، وأن العملية كانت تستهدف عدة غايات في نفس الوقت: أولا التخلص من المسجونين الإسلاميين المستعصين عن التطويع فمكّنت هذه العملية من دفعهم للإلتحاق بصفوف المقاومة المغشوشة والملغمة التي أعدها (ق.إ.أ/DRS) في تلك النواحي كي تتم تصفيتهم بكل سهولة دون أية تبعات أو شكوك!) ثم بعد ذلك ملئ صفوف الـ(ج.إ.م/GIA) في الجبال بعناصر من أصحاب السوابق والمنحرفين والمؤهلين لارتكاب أفعال منكرة أخلاقيا ودينيا، بما يزيد من تشويه صورة هذه الجماعات أكثر فأكثر في أعين السكان ويحرضهم على التجند خلف النظام، وهدف آخر هو استخدام هؤلاء الأفراد لتأجيج الحرب بين الأشقاء في صفوف الجماعات الإسلامية.

وبالفعل بدأت جماعات إسلامية حقيقية تتجه نحو تنسيق الجهود وتوحيد الصفوف ورغم القمع والاضطهاد، وكل الضربات الموجعة، التي تلقتها من النظام فقد توحدت في إطار ما سمي "بالجيش الإسلامي للإنقاذ " الذي كان بمثابة الجناح العسكري للـ (ج.إ.إ/FIS)، والذي لم يكن يضرب إلا الأهداف العسكرية، وقد استخدم بعض الفارين من سجن تازولت حينها كعملاء لـ(ق.إ.أ/DRS) لاختراق (جش.إ.إ/AIS) وهكذا كان الأميران مصطفى كرطالي ويوسف بوبراس عميلين على اتصال بـ(م.إ.ب.ت/CTRI) للبليدة. وبطبيعة الحال فإن محاربي الـ(جش.إ.إ/AIS) كانوا يجهلون كل هذه التلاعبات. وكل ما كان يستحوذ على ألبابهم هو الجهاد. وبالفعل كي يتقاتل التنظيمان ويصفى بعضهما بعضا بكل شراسة، كان (ق.إ.أ/DRS) يساعد الـ(ج.إ.م/GIA) والـ(جش.إ.إ/AIS) في نفس الوقت بالسلاح ووسائل الاتصال والأدوية، (فطبيب "م.ر.ع/CPO" الدكتور متيزي كان يذهب إلى الجبال لعلاج الجرحى!) ولقد مكّنت هذه الطريقة من القضاء على عدد معتبر من الإسلاميين الحقيقيين! وهناك طرق أخرى مستوحاة مباشرة من أساليب الجيش الفرنسي أثناء ثورة التحرير، قد استعملت كذلك في هذه الحرب! كما أذكر كذلك أن الجنرال إسماعيل العماري قد تبجح أمامي سنة 1995 (وقد رقى إلى هذه الرتبة سنة 1992) بالخسائر الفادحة التي نجح في إلحاقها " عن طريق خطة الزرقاء" 95 بالإسلاميين: زرع الشكوك في صفوفهم بوجود عملاء بينهم قد حقق دمارا واسعا في " كل من الـ(ج.إ.م/GIA) و(جش.إ.إ/AIS) " بحيث كان أدنى شك يحوم حول أي محارب منهم يذبح في الحال بصفة تلقائية!

لكن في ربيع 1994 أصبح المشكل رقم واحد لجنرالات "عصابة يناير" هو الفشل الذريع لسياستهم المتبعة فيما يخص حرمان المقاومة الإسلامية الحقيقية في الجبال من تأييد السكان، فبالرغم عمليات التمشيط والتفتيش والاختراقات والقمع الدموي، لم يتمكنوا من القضاء على "تمرد" كان التحكم فيه مبرمجا منذ البداية. البلد كان يجتاز أزمة اقتصادية غير مسبوقة، فقد نجى من الإفلاس، ولكن المؤسسات العمومية ظلّت تسير ببطء شديد، والعمال لم يتقاضوا أجورهم بعد أو تقاضوها بعد تأخير كبير والعنف الإرهابي يهلك الحرث والنسل بدون توقف، من طرف المجموعات الموجهة من مصالح (ق.إ.أ/DRS) (مع كل الإفراطات الناجمة عن نقص التنسيق فيما بينها في الميدان) وكذلك تلك المجموعات الإسلامية الحقيقية. ذلك أن هؤلاء الإسلاميين كانوا يستطيعون الاعتماد على ثلاثة عوامل هامة هي: تجنيد الشبان لتمويل المقاومة بالدّفعات المتجددة من "المحاربين " وكذلك الدعم الشعبي داخل الجزائر العميقة والذي يلتقي مع دعم، وإسناد حربي، وشبكات إمداد خارجي تنظم عمليات إدخال الأسلحة عبر الحدود.

وحول هذا الجانب الأخير كنت قد نظمت لقاءا في بون سنة 1994 بين مدير الجوسسة المضادة الألماني، والجنرال إسماعيل العماري ونظرا لتعود هذا الأخير على كرم وتساهل (بل وحتى تواطؤ!) نظرائه الفرنسيين معه فقد ظن نفسه في أرض مفتوحة، وزرابي مبثوثة بحيث لم يتردد في أن يطلب انتداب أحد ضباط (ق.إ.أ/DRS) إلى ألمانيا ليكلف خصيصا باستغلال التصنت على المكالمات الهاتفية، الذي تقوم به مصالح المخابرات الألمانية على الإسلاميين المشبوهين الذين يعيشون على التراب الألماني 96 وهو الطلب الذي رفض له رفضا قاطعا وبغلظة!! وهو ما جعل رئيس (م.ج.م/DCE) في حالة هيجان شديد!! وقد أظهر لي فيما بعد أنه مصمم على إحكام الضغط على الإسلاميين كي يظلوا معزولين عن "محيطهم الطبيعي" وقطع صلتهم بكل مصادر إمدادهم واستنادهم في الخارج. وفي تلك الحالة من الغضب والهيجان اتهم المصالح الألمانية بغض الطرف عن تصرفات الإسلاميين اللاجئين في ألمانيا والذين يتمتعون بحرية كاملة في العمل والحركة بل ذهب حتى إلى تصور وجود نوع من التفاهم والاتفاق بين الاثنين، بدليل عدم تعرض الإسلاميين للمصالح الألمانية (حسب استنتاجه) واعتبرت أن كل ما صرح به كان من باب الغضب، فلم أدرك كل الأبعاد التي كان يتضمنها كلامه في حينه، ولم أتوصل إلى إعادة تشكيل أجزاء الصورة الكاملة لما كان يرمي إليه إلا بعد مدة متأخرة. إن القطعة الرئيسية التي كانت تنقصني في إعادة تركيب تلك الصورة هي تصريح أدلى به الوزير الأول رضا مالك في وهران يوم 16 مارس 1994، (وهو "استئصالي" عنيد وأحد المقربين جدا من "أصحاب القرار") وقد أدلى بهذا التصريح بمناسبة تشييع جنازة الكاتب المسرحي عبد القادر علولة المغتال في 14 مارس (وهو اليوم نفسه الذي تمت فيه عملية الهروب الكبيرة من سجن تازولت)، وهو اغتيال نسب إلى الإسلاميين طبعا! لقد صرح رئيس الحكومة بهذه المناسبة قائلا:" إن الرعب يجب أن يغير المعسكر!" مرددا هكذا عبارات الجنرال بيجار Bigeard أثناء معركة الجزائر سنة 1957، وهو ما لا يمكن أن يكون من باب المصادفة بأي حال من الأحوال. إن هذه الجملة لم تطلق عفويا هكذا بدون قصد، فقد كانت تعبر بدون أي لف أو غموض عن البرنامج الجديد" لعصابة يناير " : بما أن الإسلاميين لم يتم عزلهم عن السكان "محيطهم الطبيعي" فسيتم عزل السكان عنهم إذا! وهكذا بدأت المجازر الكبرى في الأحياء المعتبرة معاقل للـ(ج.إ.إ/FIS) بصفة عامة في الجزائر الكبرى، مجازر لم تحظ إلا بالقليل من التغطية الإعلامية، على عكس مجازر 1997 (أنظر الفصل 11) فمن مارس إلى أوت 1994 انطلق هجوم رهيب وعنيف من طرف (ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS) و(ق.إ.أ/DRS) ضد السكان المدنيين، فهذه الفترة بالذات كما قلت هي التي ظهرت فيها (م.ش.ج.ح/OJAL) فرق الموت لـ(ق.إ.أ/DRS) التي عاثت فسادا في الأرض وظهرت فيها أيضا الميليشيات المشؤومة. وظهرت كذلك وبصفة أخص فرق المغاوير المظليين "للقوات الخاصة" وعناصر (م.إ.ب.ت/CTRI) ضاعفت تصفياتها الواسعة للمدنيين (والتي كانت كثيرا ما تنسب إلى الجماعات الإسلامية) وقد عرفت هذه الفترة آلاف الضحايا. إن هذه الفترة عرفت كذلك بداية ارتفاع عجيب لعمليات " الإختفاء" التي طالت بصفة خاصة قدماء المعتقلين في معسكرات الجنوب الذين كان العديد منهم بدون أي نشاط سياسي أو كانوا فقط من ضمن المؤيدين للجماعات المسلحة. وبمبادرة من (ق.إ.أ/DRS) تم هكذا توقيف الآلاف من الأشخاص بواسطة قوات الأمن كذلك وهم عادة يعتقلون ويعذبون أولا في محافظات الشرطة، ثم ينقلون لاحقا إلى (م.إ.ب.ت/CTRI) للناحية العسكرية، حيث تتم تصفيتهم هناك بكل برودة! إن القيام بهذا العمل الحقير يتطلب رجالا على درجة عالية من الثقة والائتمان كي يستطيع أن يعتمد عليهم أصحاب القرار! فالأمر إذن يخص (م.ج.م/DCE) التي يعتبر الأغلبية من إطاراتها القائدة من قدماء ضباط الصف الذين يدينون بالفضل في تجنيدهم وترقيتهم للجنرال إسماعيل العماري. فهم دائما رهن إشارته للقيام بأية مهمة إدراكا منهم بأن مصيرهم متعلق بمصيره! وبمجرد أن يتورط الواحد منهم في "قضية قذرة" (اغتيال، اختطاف، تعذيب...) يصبح من المتعذر عليهم إن لم يكن من المستحيل الرجوع إلى الوراء خشية تصفيتهم الجسدية في رمشة عين، مما يفسر كذلك هيجان القتل الجنوني في هذه الفترة التي تواصلت مع الأسف لعدة سنوات!

إن أكثر المجرمين تحمسا في هذه الفترة وهو ما يزال في منصبه إلى غاية كتابة هذه السطور هو العقيد مهنة جبار رئيس (م.إ.ب.ت/CTRI) للبليدة منذ 1990 والذي سبق أن تحدثت عن "مفاخره" المشؤومة. فهو بدون منازع أحد الفاعلين البارزين في "حرب الجزائر الثانية" من ذوي الأيدي الأكثر تلطخا بالدماء، والذي يجب أن يمثل أمام المحاكم الدولية كما عرف عهده العدد الأكبر من حالات "المفقودين" لقد كان دائما يطبق تعليمات إسماعيل حرفيا وكانت تربط بينهما علاقة تابع بمتبوع، وفي المقابل يضمن له إسماعيل حصانة تامة، ويرخص له (على غرار الكثير من نظرائه) استباحة كل شيء وفرض قانونهم الخاص على المواطنين: ابتزاز الأموال، نهب الممتلكات، الاغتيالات...وهو الأسلوب ذاته (اختيار الضباط المبني أساسا على التوريط، أو على الثقة أكثر مما هو مؤسس على الكفاءة والإخلاص والنزاهة...) الذي كان مطبقا كذلك على مستوى القيادات الميدانية حيث لا يعين في المناصب الحساسة إلا الضباط الموثوق فيهم جدا! في بداية 2001 استطاع الملازم أول الحبيب سوايدية الضابط في القوات الخاصة أن يروي في كتابه "الحرب القذرة" كذلك بعض الجرائم الفظيعة الأخرى التي ارتكبها مجرم آخر مشهور ورجاله، وهو المقدم عثامنية رئيس "12RPC" الفرقة 12 للمظلات التي وصفت "بفرقة القتلة" 97 ولكن مع الأسف الشديد ليست إلا حالة من بين الحالات الكثيرة الأخرى.

وبالفعل عندما أجمع أصحاب القرار على تنفيذ "خطة نزار" في ديسمبر 1990، وعهدوا بذلك إلى (ق.إ.أ/DRS). لم يكن (ق.إ.أ/DRS) يتوفر (خارج "م.ت.خ/GIS") على أية "قوة ضاربة" ولهذا السبب (وفي هذا الإطار) سرعان ما أصبحت الوحدات الميدانية للـ(ج.و.ش/ANP) الملحقة بقيادة الأركان في 1992 تمثل رهانا كبـيرا، حيث أصبح اختيار المسؤولـين إذن يرتكز على معايير لا علاقة لها بالكفاءة أو الأخلاق فكان الأهم هو إيجاد أولئك المسؤولين الذين ينفذون الأوامر بدون نقاش ويبرهنون بذلك على ولائهم الأعمى "لخطة نزار".

إن دعم وحدة (ف.ج.ف/DAF) وحلفائهم وتصفية الضباط "المعربين " قد أدت هكذا إلى ظهور صنف من الضباط داخل (ج.و.ش/ANP) عرفوا " بالتنفيذيين" الذين لا يناقشون أبدا أوامر القائد أو المسؤول حتى ولو كانت منافية لكل القيم والأخلاق. ومن هؤلاء مثلا الجنرال معيزة نائب فضيل الشريف في البليدة، والجنرال رشيد لعلالي المدعو "عطافي"، الذي أصبح رئيسا لـ (م.ت.أ.خ/DDSE)، أو كذلك ضبّاط الصف المرقّين إلى رتبة عقيد أو جنرال والذين يدينون بالفضل إلى أولياء نعمتهم إسماعيل العماري وخالد نزار وجماعتهما على أن هذه الفترة عرفت كذلك الصعود وبقوة لضباط سامين عرفوا بحسّهم التجاري الخاص والذين هم مستعدون لفعل أي شيء من أجل الحفاظ على سلطتهم للتمكن من الدفاع عن امتيازاتهم، "ومكتسباتهم" وأستطيع أن أسوق هنا عشرات الأمثلة لهذا الصنف من الضباط، ولكني أكتفي بذكر الحالات الأكثر صرخا كحالة الجنرال كمال عبد الرحمان، والجنرال علي بن جدة المدعو "إسماعيل الصغير"، وبالتوازي مع ذلك لم يعرف استخدام العنف الإسلامي أية هدنة، فهذه الفترة (صيف 1994) هي التي عين فيها جمال زيتوني صنيع (ق.إ.أ/DRS) أميرا على الـ(ج.إ.م/GIA) وأرسل إلى الجبال لاحتواء المقاومة الإسلامية وقمعها وتصفية رجالها الواحد تلو الآخر!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

8

 

جمال زيتوني إرهابي يعمل لحساب الجنرالات

 

لقد تحدثت عن اكتشافي بمحض الصدفة في يوليو 1994 الدور المسند لجمال زيتوني بعد تجنيده وإعداده في مخابر (ق.إ.أ/DRS). واليوم بعد أن قارنت وطابقت معلومات مصادري أستطيع أن أؤكد جازما وفي يقين مطلق بأن هذا الإرهابي الشنيع كان من "الجماعات الإسلامية للجيش" التي تعمل لحساب (ق.إ.أ/DRS). زيادة عن العقيد فريد غبريني رئيس (م.ر.ع/CPO)، ثلاثة على الأقل من ضباطي الذين من بينهم النقيب رشيد بتشين المدعو "زياد" وفاروق شطيبي (الذي قدم في ديسمبر 1994 لقضاء عطلة مع عائلته عندي في بون لمدة أسبوعين) قد أكدوا لي هذه المعلومة التي ستتأكد أكثر فيما بعد من طرف إطارات (ق.إ.أ/DRS) الذين كان من بينهم النقيب هارون، والمساعد عبد القادر تيڤة. وكذلك النقيب أحمد شوشان الذي عرض عليه تولّي نيابة "أمير(ج.إ.م/GIA)" سنة 1995.

جمال زيتوني (المدعو أبو عبد الرحمان أمين) هذا الشخص الذي كان بائعا صغيرا للدّجاج، من بئر خادم (في ضواحي العاصمة) بدون أية معرفة بالدين أو أية شهرة يصل فجأة وبسرعة البرق إلى مرتبة "أمير وطني" بعد موت شريف ڤوسمي في 26 سبتمبر 1994 حتى يتم قتله هو بدوره في يوليو 1996، سيصبح هو وجماعته من العملاء الأكثر نشاطا في تطبيق استراتيجية الرعب التي وضعها قادة (ق.إ.أ/DRS).

 
كيف أصبح جمال زيتوني "أميرا وطنيا"

للـ(ج.إ.م/GIA) صنيعة (ق.إ.أ/DRS) ؟

 

ابتداء من صيف 1992 كما رأينا تكونت العديد من الجماعات الإسلامية المسلحة المنظمة في الجبال، أو العاملة داخل المدن، لقد كان يوجد من بينها العديد من الجماعات الإسلامية الحقيقية بطبيعة الحال والتي اخترقت تدريجيا من طرف (ق.إ.أ/DRS) فيما بعد، لكن بالتوازي مع ذلك أنشئت جماعات أخرى إنشاء بواسطة (ق.إ.أ/DRS) كما رأينا. وابتداء من 1993 أخذت الـ(ج.إ.م/GIA) تتشكل من مجموعات سديمية صغيرة بعضها يعمل بكيفية مستقلة، والبعض الآخر كان مخترقا، والبعض الثالث تحت السيطرة المباشرة لـ(ق.إ.أ/DRS). ففي البداية لم يجمع إلا القليل من المقاتلين، لكن سرعان ما استفاد من الدعاية والضجة الإعلامية التي أثارها حوله (ق.إ.أ/DRS)، فنجح هكذا في ضم العديد من الإسلاميين الذين اقترفوا جرائم إرهابية في وسط البلاد (المتيجة، المدية، الشلف...) جاهلين تماما أن بعض " أمراءهم " كانوا مستخدمين ويتلقون أوامرهم مباشرة من (م.ر.ع/CPO) لـ (م.ع.ر.ب/CPMI) أو من (م.إ.ب.ت/CTRI) للبليدة. إن اختراق الـ(ج.إ.م/GIA) والسيطرة عليها أو توجيهها هي وغيرها من التنظيمات يحقق ثلاثة أهداف هي: نزع المصداقية عن المقاومة الإسلامية لانقلاب يناير 1992 (بإرهاب السكان) وتصفية المعارضين الإسلاميين الحقيقيين ومؤيديهم ثم الحصول على التأييد والدعم السياسي والعسكري والاقتصادي للدول الغربية. إن استراتيجية الجنرالات كانت ترتكز حينها على الإثبات للرأي العام على أن الـ (ج.إ.إ/FIS) قد تجاوزته أجنحته الراديكالية التي تهاجم الشعب وتستعديه، ومن ثمة الوصول إلى عزل المعارضين الحقيقيين عن قواعدهم الشعبية.

في 1993 و1994 بدأت كتائب الـ(ج.إ.م/GIA) صناعة (ق.إ.أ/DRS) تتكون بسرعة وتتضاعف أعدادها على مستوى التراب الوطني. الأمراء الحقيقيون الذين يقيمون في بن عكنون (مقر "م.ع.ر.ب/CPMI"، أو في البليدة "م.إ.ب.ت/CTRI") لم يجدوا أي صعوبة في التجنيد، فالأمر كان يتعلق عموما بشبان بطالين، ومثاليين سذج حانقين، ومثارين ضد القمع الذي ذهبوا ضحيته، وقد كان يؤطرهم عملاء (ق.إ.أ/DRS) الذين يحددون لهم الأهداف، وكانوا بطبيعة الحال يعملون لصالح النظام. منذ بداية الصراع، كان إذن جزئ من، إطارات (ق.إ.أ/DRS) تحت إدارة كل من الجنرالات: توفيق، إسماعيل، كمال عبد الرحمان هم الذين يجندون ويوجهون الشبان الضالين إلى ارتكاب مذابح مفزعة " باسم الإسلام". ولكن حتى ذلك الحين، لم تتم السيطرة كليا على الـ(ج.إ.م/GIA) من طرف المخابرات وهو الشيء الذي تغير بعد شهور فقط من وصول جمال زيتوني على رأس المنظمة الإرهابية في أواخر 1994.

لقد أوقف جمال زيتوني أثناء حملة في العاصمة أوائل 1992. ولم يكن سجله وقتها يتميز بأي شيء خارج عن المألوف باستثناء كونه من المترددين على مسجد الأرقم بحي شوفاليي، حيث كان يلقي محمد السعيد خطبة كل جمعة، وقد اعتقل زيتوني بعدها في أحد معسكرات الجنوب حيث تم تجنيده ابتداء من سنة 1993 لقد كانت كل المعتقلات مسيرة من وحدات (ج.و.ش/ANP) وهذا ما يرجح أن يكون تجنيده قد تم من طرف (م.ع.ر.ب/ CPMI) (التابع لـ"م.م.أ.ج"). وبما أن كل أجهزة (ق.إ.أ/DRS) كانت تعمل مجتمعة في حملتها ضد الأصولية، فليس من المستغرب أن يتولى "متابعة" زيتوني فرع أخر من فروع (ق.إ.أ/DRS) هو (م.ج.م/DCE). الذي عهد بهذه المهمة إلى (م.إ.ب.ت/CTRI) للبليدة برآسة مهنة جبار(ولقد كان تورط فرعي (ق.إ.أ/DRS) في هذه العملية يعني أنها كانت منذ البداية تسير تحت إشراف القائد الأعلى لـ(ق.إ.أ/DRS) ألا وهو الجنرال توفيق) وهذا على كل حال ما تدل عليه (سيرة خدمة) زيتوني فيما بعد كما استطعت أن أعيد تشكيلها لاحقا انطلاقا من عدة مصادر. ففي اعترافاته المفصلة التي أدلى بها في بداية سنة 2003 98أحد الأعضاء القدامى في (م.إ.ب.ت/CTRI) البليدة المساعد عبد القادر تيڤة (المحبوس منذ 2001 في أحد سجون بانكوك) بين أن جمال زيتوني قد وضع على رأس الكتيبة الخضراء بعد الإفراج عنه في نهاية سنة 1993) وهي عبارة عن فرقة مكلفة بحراسة مركز قيادة الـ(ج.إ.م/GIA)، ومكلفة أيضا بتنفيذ العمليات الكبرى (كالهجوم على الثكنات وما شابه ذلك) ثم سرعان ما فرض نفسه بعد "التخلص" من الجهاديين الحقيقيين في الـ(ج.إ.م/GIA) مثل سيد احمد مراد المدعو "جعفر الأفغاني" (لقي مصرعه على أيدي قوات الأمن في 26 فبراير 1994) والسايح عطيه (قتل في 16 مارس 1994) والشريف ڤوسمي (الذي قتل في 26 سبتمبر 1994) وهذه النقطة الأخيرة تتطلب بعض الشرح والتوضيح: وكما سبق أن ذكرت فحتى عبد الحق العيادة في وجدة (بالمغرب) في جوان 1993، وهو عميل لـ(ق.إ.أ/DRS) نصب نفسه "أميرا" وطنيا "للـ(ج.إ.م/GIA)" لم يكن يسيطر (ق.إ.أ/DRS) إلا على رؤوس التنظيم، ولم يكن يسيطر بعد على كافة الجماعات التي يضمها التنظيم وهنا ظهر مشكل طارئ لم يكن في الحسبان تماما وهو إلقاء القبض على العيادة من طرف الشرطة المغربية في مدينة وجدة 99 وقد كون هذا "الطارئ" مشكلا خطيرا لرؤساء (ق.إ.أ/DRS)، لأن هذا التوقيف كان غير متوقع وخليفة "الأمير" على رأس التنظيم لم يكن قد أعد بعد.

 وبالفعل يجب أن نعرف أن في ذلك الوقت لم يكن من السهل احتواء عدد من المجموعات المبعثرة هنا وهناك، وقد كانت تحدث دائما أمور غير متوقعة ومفاجآت في آخر لحظة، فإطارات (ق.إ.أ/DRS) المسربين إلى داخل الجماعات كانوا معرضين إلى الموت في أية لحظة، وأن قتلا شنيعا ينتظر كل واحد منهم لو يكتشف أمره ولتفادي هذا المصير كان يتحتم على بعضهم أن يتموا اللعبة إلى آخرها ويقوموا بدور "الإرهابيين" ومن هنا أتى الانحراف والتوريط الذي جر إليه العديد من إطارات (ق.إ.أ/DRS) فبعد أن يخطو الإطار أول خطوة في الانحراف والجريمة، يصبح من المستحيل عليه الرجوع إلى الوراء، وهو ما يفسر كذلك النسبة العالية من الضباط الذين أدمنوا تعاطي المخدرات للتغلب على كوابيسهم وتجاوز الأوضاع التعيسة التي وجدوا أنفسهم فيها ففي هذه الدوامة من العنف، بل " الجنون" تمكنت الـ(ج.إ.م/GIA) من التطور والعتو.

وعلى أي حال فبعد توقيف العيادة عين سيد احمد مراد الذي هو من قدماء الأفغان ولم يكن تحت سيطرة (ق.إ.أ/DRS)، عين أميرا وطنيا للـ(ج.إ.م/GIA) وذلك في شهر أوت بعد اجتماع قصير لمجلس الشورى. فطغت الأحداث المتسارعة والكثيرة على (ق.إ.أ/DRS) وتجاوزته (حتى ولو كان عملاؤه على رأس العديد من الجماعات) وينسحب نفس الشيء على السايح عطيه والشريف ڤوسمي ولم تستتب الأمور لصالح (ق.إ.أ/DRS) إلا في أكتوبر 1994 بعد التوصل إلى تنصيب جمال زيتوني وفرضه بالقوة "أميرا وطنيا" على الـ(ج.إ.م/GIA) وحسب عبد القادر تيڤة فإن "الضابط المشرف " على جمال زيتوني كان الرقم الثاني في (م.إ.ب.ت/CTRI) بالبليدة النقيب عبد الحفيظ علواش المدعو حفيظ "رئيس مصلحة التنسيق العملياتي الميداني"(حتى 1994 كان هذا الأخير الكاتب الخاص للجنرال إسماعيل العماري) وقد كان معروفا جدا لدى مصالح أجهزة المخابرات الفرنسية (DST وDGSE) كما كان مثل زيتوني أصيل مدينة بئر خادم وقد كان أحد أصدقائه في سنوات الطفولة. وبمناسبة تمكن (ق.إ.أ/DRS) من السيطرة على قيادة الجماعات المسلحة، واتساع نطاق العمليات، وتصاعد نشاط الجماعات المسلحة في كل الجهات تقرر إعادة تقسيم التراب الوطني إلى تسعة مناطق (وليس خمسة مثلما كانت من قبل) بما فيها الناحيتين العسكريتين بكل من ورڤلة وبشار (وهي معلومات سمعتها من إسماعيل العماري شخصيا وقد أكدها لي فيما بعد النقيب فاروق شطيبي).

 لقد كان متوسط البقاء على قيد الحياة لأي أمير خارج عن سيطرة (ق.إ.أ/DRS) لا يتجاوز بضعة شهور وهي المدة التي تكفي لتحديد مكانه والقضاء عليه علما أن "الأمراء الوطنيين" للـ(ج.إ.م/GIA) بعد توقيف العيادة في جوان 1993 لم يدم بقاؤهم كثيرا، فجعفر الأفغاني لم يدم سوى سبعة أشهر، والشريف ڤوسمي لم يعش أكثر من ستة أشهر، أما جمال زيتوني فقد نجح في أن يبقى قرابة السنتين (من 1994 إلى 1996) (وقد أعلن عن وفاته عدة مرات من طرف الصحافة الجزائرية حسب روايات كانت تعدها مصلحة العمل النفسي التي يقودها الحاج زبير ومشاركة صحفيين متعاونين)100 وهو الوقت [الضروري اللازم] لإبادة المقاومة الإسلامية الحقيقية أو تصفية بعض الضباط في (ج.و.ش/ANP) الذين كانوا يقلقون الجنرالات، بل وكذلك قادة لإسلاميين آخرين من الذين قرروا الانضمام إلى الـ(ج.إ.م/GIA). وبالفعل ففي شهر ماي 1994 التحق كل من محمد السعيد، وعبد الرزاق رجام (من الـ "ج.إ.إ/FIS") مثلهم مثل سعيد مخلوفي وعز الدين بعة، ورجالهم في (ح.أ.د.إ/MEI) بالـ(ج.إ.م/GIA) (التي كانت حينها تحت قيادة الشريف ڤوسمي ولقد تمت تصفية الاثنين للأولين من طرف جمال زيتوني حسب رواية أحد أمراء الـ(ج.إ.م/GIA) القدامى في (ألجيريا أنترفاص Algeria-Interface) سنة 2001 وهو علي بن حجر 101 الذي كان قد انفصل عن الـ(ج.إ.م/GIA) سنة 1996 وأنشأ جماعته المسلحة الخاصة به تحت اسم الرابطة الإسلامية للدعوة والجهاد (ر.إ.د.ج/LIDD) وعز الدين بعة قد صفي هو الآخر من طرف جمال زيتوني في 1995، وفي جوان 1996 كان دور سعيد مخلوفي الذي قرر شهور من قبل مغادرة الـ(ج.إ.م/GIA) لأنه أدرك أنها كانت محتواة بالكامل من (ق.إ.أ/DRS) (كما روى ذلك علي بن حجر ذاته)102.

وأثناء كل هذه الفترة ذاع صيت جمال زيتوني نتيجة أفعاله المدويّة التي تتباين مع مستواه التعليمي تباينا صارخا. وقد لعبت الصحافة (بواسطة مصلحة الإعلام في "ق.إ.أ/DRS") دورا كبيرا في إعلاء شأنه ورفع مكانته " كأمير وطني".

ففي 3 أوت 1994 قامت جماعة جمال زيتوني بعملية في حي عين الله بدالي براهيم التي قتلت فيها ثلاثة من رجال الدرك واثنين من الموظفين يعملان في سفارة فرنسا في الجزائر، وبالرغم من الحواجز التي كان يقيمها رجال الدرك في كل مفترقات الطرق بالجهة، فقد تمكن القتلة من الانفلات لأن مقر(ق.إ.أ/DRS) لم يكن يبعد بأكثر من مائتي متر عن مكان الفاجعة!.

وستتبنى الـ(ج.إ.م/GIA) جمال زيتوني فيما بعد عدة عمليات مشهدية مثيرة نفذتها بمبادرة وتوجيه من (ق.إ.أ/DRS) ومن بينها اختطاف طائرة الأيرباص التابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية في 24 ديسمبر 1994، وكذلك تفجيرات باريس في 1995، واختطاف ثم إعدام الرهبان السبعة في تيبحيرين بالمدية في ربيع 1996.(وسأعود إلى هذه القضايا بالتفصيل في الفصل التاسع) أو كذلك التفجير المروع لقنبلة شارع العقيد عميروش في العاصمة يوم 30 يناير 1995 (والتي أسفرت عن 42 قتيلا وحوالي 300 مجروح!) وبصفة خاصة ارتكاب الـ(ج.إ.م/GIA) في فترة زيتوني لمجازر شنيعة ذهب ضحيتها الآلاف من الجزائريين الذين كانوا في معظمهم من المدنيين أو من الإسلاميين الأعضاء في (جش.إ.إ/AIS) أو لتنظيمات أخرى منافسة (كما عرفت كذلك فترة إمارة زيتوني قيام (ق.إ.أ/DRS) بتحرير مناشير وإصدار بيانات وقع عليها زيتوني منسوبة إلى (ج.إ.م/GIA) تهاجم فيها قائدي الـ (ج.إ.إ/FIS) عباسي مدني وعلي بن حاج وتدينهما، وتحكم عليهما حتى بالموت!)

ومن الأهمية بمكان التأكيد هنا بأن الأعمال الإجرامية للـ(ج.إ.م/GIA) قد تضاعف عددها وازدادت حدة بكيفية متزامنة مع انطلاق عملية الحوار الذي شرع فيه اليمين زروال ومستشاره للأمن الجنرال محمد بتشين مع عباسي مدني وعلي بن حاج المسجونين في البليدة (وبعد هذا اللقاء الذي تم في فبراير 1994، أصدرت رئاسة الجمهورية بيانا يوم 3 مارس تكشف فيه للرأي العام عن وجود حوار مع قادة الـ "ج.إ.إ/FIS") وسرعان ما أظهرت الـ(ج.إ.م/GIA) معارضتها الصريحة والشديدة لأية محاولة لإيجاد حل للأزمة، بتحقيق المصالحة الوطنية وهو نفسه موقف مسيريها وأوصيائها الجنرالات الاستئصاليين المناهضين لأي حوار أو تقارب مع الإسلاميين، وهكذا توصلوا بنجاعة إلى نسف جهود المخلصين الوطنيين من جماعة اليمين زروال المنادين بالحوار لإيجاد الحل النهائي للخروج من المأساة وتحقيق المصالحة الوطنية لكل الجزائريين.

إن هذا العداء الشديد للحوار، وكل حل سياسي للأزمة سيظل خطا ثابتا لرؤساء (ق.إ.أ/DRS) والجنرال بلخير بالذات الذي كان يخشى أكثر من الجميع أن يتم الصلح بين التيارين المتعارضين في الساحة ألا وهما التيار الإسلامي والتيار اللائكي! وذلك لأن تحقيق أي صلح مماثل سيؤدي حتما إلى نهاية النظام المرتكز أساسا على الزبائنية والافتراس. هذا هو منشأ تلك النزعة القوية لـ(ق.إ.أ/DRS) التي جعلته دائم التحريض على الشقاق وإثارة النزاعات، وخلق المشاكل والأزمات، وإذكاء نار الفتنة وتعميق بؤر الخلاف والتطرف بكيفية تحول دون التوصل إلى أي حل يجمع عليه الجزائريون يكون على حساب قادة الجيش.

 

"جمال زيتوني رَجُلنا"

 

لقد تحصلت على تأكيدات فيما بعد عن استخدام زيتوني من طرف (ق.إ.أ/DRS)، وذلك بفضل شاهد حاسم هو النقيب أحمد شوشان الذي سبق أن تحدثت عنه (أنظر الفصل الخامس) وعن أسباب إلقاء القبض عليه في مارس 1992، ثم الحكم عليه لاحقا بثلاث سنوات سجنا. فقد التقيت به سنة 2001 في أروبا (حيث يعيش لاجئا سياسيا منذ 1998) وقد حكى لي أشياء مذهلة عما حصل له في نهاية فترة سجنه.

فبعد العديد من عمليات النقل التي تعرض لها عبر السجون العسكرية في كل من بشار البرواڤية، والحراش (حيث كان يستقبل باستمرار مبعوثين من الجنرالين نزار وتوفيق)، أطلق سراح النقيب شوشان في الأول من أفريل 1995. غير أنه، بمجرد خروجه من باب سجن الحراش، تم اختطافه من عناصر العقيد بشير طرطاڤ رئيس (م.ع.ر.ب/CPMI) ومن حسن حظه أنه فكر في إخطار محاميه السيد رشيد مسلي الذي يدين له بنجاته من موت محقق. فلقد اتخذ هذا الأخير عدة إجراءات لكي يحصل على حرية موكله مخطرا بذلك الرئيس اليمين زروال والمنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان. ولولا ذلك لكان قد تصدر خبر على الصفحات الأولى في اليوم التالي بنعي "سقوط أحد الضباط ضحية الإرهاب الإسلامي الأعمى" أو يعلن: عن "نقيب تغتاله الـ(ج.إ.م/GIA)" على أن ذلك كله لم يمنع النقيب شوشان من التعرض للاستنطاقات من جديد ولقد قام كل من العقيد بشير طرطاڤ أولا والجنرال كمال عبد الرحمان تاليا بالاتصال به لثلاث مرات متتالية يوم 5 و9 و14 ليقترحا عليه الالتحاق بالمقاومة الإسلامية وأن يصبح نائب جمال زيتوني على رأس الـ(ج.إ.م/GIA). ولقد وضح شوشان فيما بعد علانية أثناء الإدلاء بشهادته لصالح الملازم أول حبيب سوايدية في قضية القذف التي رفعها ضد الجنرال نزار في يوليو 2002 في باريس وكذلك في نص منشور بعد ذلك في موقع "(ح.ج.ض.أ/MAOL) والذي ورد فيه بالحرف الواحد "بعد اللقاء الأول اقترحا علي المشاركة في اغتيال قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) الذين حملوا السلاح والتحقوا بالسرية، وقد ذكرا لي، محمد السعيد وعبد الرزاق رجام وسعيد مخلوفي. وقد اندهشت عندما ذكرا لي الأسماء المستهدفة فقلت لهما بأن هؤلاء الأشخاص هم رجال سياسة أجبروا على حمل السلاح، وأنه من الممكن أن تتوصلوا معهم إلى حل يحفظ حقوق كل الجزائريين، وتتجنبون به المزيد من إراقة الدماء كما قلت لهما أيضا أنكم لو حدثتموني عن قتل جمال زيتوني الذي اعترف بمسؤوليته عن ارتكاب المذابح في حق النساء والأطفال لكانت المهمة التي تطلبون مني القيام بها أكثر قربا إلى الفهم والتفهم" 103

هنا وفي هذا السياق أجابه بشير طرطاڤ بقوله كما يروي شوشان " أترك زيتوني وشأنه انه رجلنا، إنك ستعمل معه" وفي آخر حديثه أوضح الجنرال كمال عبد الرحمان للنقيب شوشان أنه سيحصل في المقابل على رتبة عقيد، وأنه لا ينشغل بأمر عائلته، وبما أن الجنرال كمال عبد الرحمان كان يشك بالفعل في ولاء شوشان ولكي يقوم هذا الأخير "بمهمته " على أحسن ما يرام، فقد وقع التفكير مسبقا في حجز عائلته كرهينة لديهم. وقد أكد الجنرال كمال عبد الرحمان للنقيب شوشان أنه يخطط لتصفية جمال زيتوني ليعهد إليه هو نفسه بأخذ قيادة الـ(ج.إ.م/GIA) وهذا بناء على كونه ضابطا في (ج.و.ش/ANP)، وقناعاته الدينية، وكذلك للتقدير الذي يحظى به لدى الأوساط الإسلامية، زيادة على كونه الآن يتوفر على ذريعة قوية جدا وهي كونه قد تعرض إلى السجن بسبب أرائه ومواقفه السياسية الدينية! بل وقد أظهر له الجنرال كمال عبد الرحمان بأن هذه الفرصة ستكون فرصته الأخيرة لإنقاذ حياته لأن هناك بعض الدوائر الأخرى في جهاز المخابرات تريد أن تصفيه وأنه في حالة رفضه سيكون مصيره قد حسم سلفا! فشعار "سِرْ أو مُت" كان هو شعارهم الدائم (وهو نفس الابتزاز الذي استعمله الجنرال إسماعيل العماري ثلاث سنوات قبل ذلك مع الملازم لمبارك بومعرافي قاتل الرئيس بوضياف، وسأعود إلى هذا الموضوع لاحقا). وفي الحقيقة كان يحاول أن يربح الوقت كي يضع عائلته في مكان آمن، ويبحث عن طريقة للتخلص من هذا الكابوس!

وبعد انقضاء المهلة المحددة، وتأمين العائلة عند أحد الأقارب ووضع خطة للهروب عاد إلى الجزائر حتى لا يثير الشكوك. وهناك ضرب له الجنرال كمال عبد الرحمان موعدا مع مبعوث من جمال زيتوني تاركا له الهاتف المباشر للجنرال توفيق، طالبا منه ألا يتصل بهذا الأخير إلا في حالات الضرورة القصوى. وقد حدد له الموعد المذكور مع المبعوث يوم 11 جوان 1995 على الساعة الواحدة زوالا في فندق بالعاصمة يقع بالقرب من شارع محمد الخامس، غير بعيد عن ساحة موريس أودان وكانت غرفة شوشان تقع في الطابق السادس، وقد وقع التفاهم المسبق على رمز معين وهو أن يضرب المبعوث على باب الغرفة مرتين، أربع دقات صغيرة في كل مرة.

في حدود الساعة الثانية عشرة تقدم شوشان إلى الفندق فأخذ المفتاح وصعد إلى غرفته، ثم قام حسب الاتفاق بمكالمة الجنرال كمال عبد الرحمان ليخبره أنه في انتظار زائره وقد ملأه الخوف لحظتها فاختبأ في الطابق الأعلى تحسبا لكل احتمال، وهو في تلك الحالة من الشعور الممزوج بين الخوف والاشمئزاز، رأى رجلا بدينا (مرتديا قشابية رغم الحرارة الشديدة يصعد حتى الطابق السادس ويدق الباب حسب الإشارات المتفق عليها. وبعد دقائق بدت لشوشان بلا نهاية حاول الرجل أن يكسر مقبض الباب، ولما رأى أن لا أحد يرد، نزل بكل هدوء. ثم بعد أن ذهب نزل شوشان بصمت.

بعد عشر دقائق هاتف شوشان الجنرال كمال عبد الرحمان ليخبره بعدم مجيء أي شخص للموعد وأنه لا يستطيع أن ينتظر إلى ما لا نهاية هناك فطلب منه الجنرال أن يبقى في مكانه دون أن يتحرك حتى يبعث له بشخص آخر. وبعد أن وضع السماعة أسرع مباشرة نحو مطار الدار البيضاء لأخذ الطائرة نحو غرداية ومنه يذهب بسيارة أجرة إلى بيته في الأغواط وأثناء الطريق أوقفه الدرك الوطني في أحد الحواجز بين غرداية والأغواط (لأن اسمه كان مدرجا في لائحة الأشخاص المطلوبين، والقائمة كانت قد وزعت على كل مصالح الأمن) فتجرأ على مكالمة الجنرال توفيق، الذي لم يشك في نياته فأعطى الأمر لقيادة الدرك بإطلاق سراحه. وعاد إلى بيته على متن سيارة أجرة أخرى مدفوعة من قائد مجموعة الدرك، وبعدها بمدة قصيرة غادر الوطن من الجنوب مجتازا الصحراء في ظروف جهنمية، قبل أن يلتحق بإنجلترا حيث انتهت رحلته الصحراوية الشاقة، بالحصول على حق اللجوء السياسي في هذا البلد الآمن!

 

(ق.إ.أ/DRS) يتخلص من زيتوني

 

سيعيث جمال زيتوني فسادا أيضا لعدة شهور أخرى. وستكون إحدى " إنجازاته" الأكثر شؤما هي السبب في القضاء عليه هو أيضا! ففي 26 مارس 1996، تم اختطاف سبعة رهبان كانوا معتكفين في دير تيبحيرين، سيتم اغتيالهم بعد ذلك بشهرين من طرف جماعته المسلحة التي ستتبنى هذه الجريمة الجديدة كما هو معلوم (وسأعود إلى الحديث بالتفصيل على ظروف هذه الجريمة في الفصل التالي)

لكن بعد بضع أسابيع من قتل الرهبان وقع حدث خارق للعادة، وهو أن جمال زيتوني أصبح مقلقا لرؤسائه وبالتالي كان يجب التخلص منه بأي ثمن. وفي 15 يوليو جاء بلاغ مقدم على أنه صادر عن مجلس الشورى للـ(ج.إ.م/GIA) أعيد نشره عن طريق الـ(و.ف.ص/AFP) يعلن خبر عزل جمال زيتوني المدعو أبو عبد الرحمان أمين عن قيادة المنظمة الإرهابية "وتتبرأ من كل ما يمكن أن يصدر من زيتوني والذي استخلف مؤقتا وبصفته أميرا للـ(ج.إ.م/GIA) بحسان أبو وليد حتى يتم عقد اجتماع يضم رؤساء كل المناطق ليقوموا بتعويضه بصفة نهائية" وقد أضاف بلاغ الـ(ج.إ.م/GIA) أن "مجلس الشورى قد أقصى من صفوفه كذلك أبو ريحانة المدعو فريد عشي، وعنتر المدعو زوابري" وأخيرا "تبرئة ذمّة الـ(ج.إ.م/GIA) من مسؤولية كل ما قد يصدر عن جماعات إسلامية منشقة. بما فيها جماعة كرطالي (أمير الأربعاء)104 والجبهة الإسلامية للجهاد المسلح (ج.إ.ج.م/FIDA) المتخصصة في اغتيال المثقفين والفنانين والسياسيين (التي يرأسها محمد براهيمي الذي قتلته قوات الأمن في ماي 1996)".

في 16 يوليو وهو اليوم التالي لصدور هذا البلاغ عرفنا بواسطة الصحافة بأن "الأمير الوطني" للـ(ج.إ.م/GIA) (الذي عزل قبلها بيوم واحد) قد لقي مصرعه هو واثنان من رجاله في كمين نصب لهم من طرف قوات الأمن (إن ظروف اغتياله لم توضح أبدا. فبعض الروايات تقول أنه قتل من طرف مجموعة إسلامية أخرى بعدة أسابيع قبل ذلك...) وفي 18 يوليو قام قادة الـ(ج.إ.م/GIA) بمبايعة عنتر زوابري المدعو أبو طلحة، بصفته أميرا وطنيا للـ(ج.إ.م/GIA) خليفة لجمال زيتوني (مع العلم أن هذه القيادة التي بايعته هي نفسها التي كانت قد أعلنت عن إقصائه من صفوفها في بيانها المذكور قبل حين).

إن هذا الإخراج الرديء لا يصمد للتحليل! أليس من الغريب أن يقتل جمال زيتوني 24 ساعة فقط بعد خلعه من رئاسة الـ(ج.إ.م/GIA). وعلى أي أساس يعاد الاعتبار لعنتر زوابري (وهو أيضا عميل "ق.إ.أ/DRS") ثلاثة أيام فقط بعد طرده يوم 15 يوليو؟ ماذا كان مصير "الأمير المؤقت" العابر حسان أبو الوليد؟ وبماذا نفسر التحريف الذي وقع في منشور 15 يوليو والذي صدر عن مجلس الشورى عندما تحدث عن طرد "عنتر المدعو زوابري"؟ فهل اختلطت الأمور على محرر المنشور ليخلط بين الاسم والكنية؟ وبماذا نفسر القرار السريع الذي اتخذه رؤساء المناطق للـ(ج.إ.م/GIA) لتعيين خليفة لجمال زيتوني مع العلم بوجود خلافات عميقة فيما بينهم وبأنه من الصعب حدوث إجماع بين إسلاميين راديكاليين بين عشية وضحاها؟ لماذا ذكر البيان تحرزات الـ(ج.إ.م/GIA) أو تحفظاتها تجاه " منشقين " كأمير الأربعاء كرطالي و(ج.إ.ج.م/FIDA) "المتخصص في اغتيال المثقفين والفنانين والسياسيين"؟ 105لا سيما أن مصطفى كرطالي كان يتبع للـ(ج.إ.إ/FIS) وليس للـ(ج.إ.م/GIA) فكيف يفسر مثل هذا الالتباس والخلط فهل الـ(ج.إ.م/GIA) التي تبنت اغتيال المثقفين والفنانين والسياسيين هي التي عدلت عن موقفها أم أن (ق.إ.أ/DRS) هو الذي ارتبك واختلطت عليه الأمور في تلاعباته؟

ليست "اعترافات تائب" في التلفزة الجزائرية (القناة الوحيدة) والذي هو فضلا عن ذلك عميل (ق.إ.أ/DRS)، ولا "بلاغه" كذلك هو الذي يستطيع أن يوضح لنا الأمور، فقد صرح مصطفى كرطالي بالفعل يوم 22 يولـيو 1996 بأن "ارتيابات الـ(ج.إ.م/GIA) في جـمال زيتوني بدأت مع تبنيه لقتل محمد السعيد وعبد الرزاق رجام" وأن "اغتيال الرهبان السبعة في ماي 1996 قد قرر مصيره، لكونه قد قطع الدعم الخارجي عنه".

وهكذا بعد 24 ساعة فقط من عزل جمال زيتوني من قيادة الـ(ج.إ.م/GIA) يعلن عن قتله من طرف قوات الأمن؟ إن ما يعتبر خارقا للعادة ومتنافيا مع المنطق تماما، أن بعد إصدار إعلان غامض وملتبس ومحرر على عجل، يعين عنتر زوابري لينتهج نفس الخط الذي سلكه سابقه الذي تم إقصاؤه بسبب أسلوبه الوحشي الذي يستهدف السكان المدنيين والأجانب وأعضاء الأمن بدون تمييز، وهو التناقض بعينه.

إن بصمات مصالح (ق.إ.أ/DRS) تظهر جلية عندما يؤكد أحد "التائبين" أن "اغتيال الرهبان السبعة قد حدد مصيره، إذ قطع عليه الدعم الخارجي" إن تفكيك هذه العبارات يعني أن الإسلاميين يحصلون على دعم من المجموعة الكاثوليكية العالمية، (تلميح واضح لأرضية سانت اجيديو Sant Egidio التي تبنتها المعارضة الجزائرية في روما سنة 1995 تحت إشراف وبرعاية المجموعة الكاثوليكية الإيطالية سانت اجيديو المتهمة من أجهزة المخابرات الجزائرية بدعم الإسلاميين) وأنه بهذا الفعل القذر يكون رئيس الـ(ج.إ.م/GIA) قد ضيع هذا الدعم المزعوم. وفعلا فإن أحد الدواعي الهامة لقتل جمال زيتوني من طرف رؤسائه (وكذلك رسالة 15 يوليو الغامضة التي لا يمكن أن تصدر إلا عن مصالح الجنرال إسماعيل). كانت من المحتمل جدا تهدف إلى "التخلص" من شخص لعب دورا أساسيا في اختطاف الرهبان، ولكن كذلك للأعمال التي قامت بها الـ(ج.إ.م/GIA) ضد فرنسا بأشهر قليلة قبل ذلك (وهو موضوع الفصل التالي). فبعد بلوغ أهدافهم في فرنسا (توقيف، وضع تحت الإقامة الجبرية، والسيطرة على الإسلاميين وتحسيس الرأي العام والطبقة السياسية الفرنسية) كان على رؤساء (ق.إ.أ/DRS) أن يتخلصوا من شاهد مقلق، خاصة وأن التحقيقات التي انطلقت في فرنسا حول تفجيرات صيف 1995، كانت ستؤدي إلى اكتشاف أمر جمال زيتوني، وهو ما قد يوصل إلى المدبرين الحقيقيين. فبموته تكون كل الآثار قد طمست وانمحت، وتلصق التفجيرات بشبكة جمال زيتوني بمفرده دون سواه!

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

9

 

"الجماعات الإسلامية للجيش" ضد فرنسا

 

إن الحديث عن الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا ليس أمرا سهلا لكنه ضروري، لأن المخطط الذي وضعه الجنرالات الحاكمين في الجزائر يجد امتداده على التراب الفرنسي. إن تأييد فرنسا لهم في حرب الجزائر الثانية يعتبر أمرا حاسما. وتوريطها لا يستوجب الكثير من الاستثمار، لأنه فضلا على الروابط التاريخية بين القادة في البلدين فهي تأوي جالية جزائرية (أو فرنسية من أصل جزائري) مهمة تقدر بحوالي مليوني نسمة، يقع جميعهم تحت أعين رجال المخابرات الجزائرية ومثلما سبق أن بينت في المقدمة فإن (ق.إ.أ/DRS) و(ج.م.ف/DST) يقيمان علاقات خاصة، وعلى نطاق ضيق جدا منذ أواسط الثمانينيات وحتى يومنا هذا. بفضل إسماعيل بصفة أخص الذي يعتبر بدون منازع المحرك الرئيسي في هذا التعاون حتى هذه اللحظة!

 

طريقة الصدمة التي يطبقها (أ.ع/SM) في فرنسا

 

في أوت سنة 1990 عين العقيد محمود سوامي المدعو "حبيب" مسؤولا عن الـ(أ.ع/SM) في فرنسا (منصبه الرسمي كان مستشارا بسفارة الجزائر في فرنسا) وقد اتبع في استراتيجيته لمحاربة الحركات الإسلامية في فرنسا منذ البداية أسلوب الصدمة. وأثناء كل مدة وجوده في باريس (حيث توفى - بموتة طبيعية! – سنة 1997) كان العمل الدؤوب لهذا الضابط هو الاختراق أو تجنيد العملاء أو احتواء الإسلاميين وتسخيرهم، وقد كان تابعا لـ(م.ت.أ.خ/DDSE) لكنه على اتصال مستمر بكل من رئيس (ق.إ.أ/DRS) و(م.ج.م/DCE) معا. ويجب القول أن مكتب باريس كان ذا طابع خاص، لأن كل أصحاب الجاه من الجزائريين لهم "قاعدة خلفية" هناك. فالكثير منهم يمتلكون فنادق خاصة في العاصمة الفرنسية التي يترددون عليها كثيرا. لقد التقيت عدة مرات مع العقيد حبيب ما بين جوان 1993 حتى نوفمبر 1995، وبلغني العديد من الأخبار السرية عن عمله، وبتكملتها، وتحليلها، وربطها بغيرها، استطعت أن أكون فكرة محددة ودقيقة عن دور (ق.إ.أ/DRS) في فرنسا، ووضع الشبكات الإسلامية وخاصة التلازم بين احتواء هذه الأخيرة وتفجيرات 1995 وسأعود إلى هذا الموضوع بالتفصيل فيما بعد.

إن محمود سوامي الذي كان يسكن مثلي في عنابة، قد عرفته سنة 1979 عن طريق صديق مشترك فهو يعتبر ضابط "محترفا جدا"، وكفؤا. أذكر مرة أثناء أحد لقائاتي معه في باريس سنة 1994، ولكي يشرح لي الصعوبات الجمة التي يواجهها في منصبه أسرّ لي بأنه كان مضطرا إلى "الجمع بين الحمل والذئب" لأنه في باريس "يجب أن يكون طيبا مع الجميع وخاصة أن يخدم الجميع" باستقبال الجنرالات ورجال النظام في المطار وخاصة توفير العلاج الطبي لهؤلاء وأولئك، إرسال قطع الغيار، شراء أغراض مختلفة، حجوزات، تدبير مرافقين، إعطاء مصروف الجيب...الخ علما بأنه كان محاطا بالجواسيس من كل جانب وكل "مسؤول" كان عنده أحد الزبانية هناك، وقد كان صاحبنا دائم الحرص على عدم الإخلال بهذا التوازن، وقد اعترف لي أنه ذهب إلى حد تعيين أحد الإطارات للانشغال خصيصا بهذه المسائل... وللاضطلاع بهذه المهمة كان العقيد حبيب يستفيد من ثلاثة عوامل أو أوراق رابحة هي :

-المعلومات التي يتلقاها من الجزائر لمساعدته على النجاح في مهمته؛ و المعلومات التي يزوده بها (ق.إ.أ/DRS) في إطار البرنامج المشترك لمحاربة الشبكات الإسلامية؛ وكذلك الإمكانيات المالية المعتبرة.

ومثلما هو الوضع في الجزائر، فإن الإسلاميين في فرنسا منقسمون كذلك فيما يخص الأموال التي يمكن أن تجمع لدى الجالية الجزائرية. ففي بداية سنة 1990 وباستثناء الحركة القريبة من الشيخ نحناح التي كانت تبدو على درجة من التنظيم كانت توجد ثلاثة تيارات إسلامية تتنازع السيادة على الساحة الفرنسية هي: الاتجاه الأصلي للـ(ج.إ.إ/FIS)، وكانت تعوزه التجربة، واتجاه جماعة الجزأرة، وهم منظمون، ومقدامون، واتجاه جماعة التكفير والهجرة المتشدد الذي ستتولد عنه الـ(ج.إ.م/GIA) فيما بعد.

ابتداء من 1992 كانت المقاومة المسلحة في الجزائر في حاجة ملحة وعاجلة إلى السلاح والذخائر، وطبعا فرنسا هي التي سيتم فيها تنظيم عملية الإمداد والتموين بالوسائل الحربية. وقد راهن العقيد حبيب أساسا على اختراق جماعات الدعم والمساندة (جمع الأموال، القيام بالدعاية، التجنيد، تقديم المساعدة "للاجئين"، شراء الأسلحة وتوصيلها...) وكانت استراتيجيته تستوجب صرف الأموال، وقد تمكن من ذلك بفضل ما كان يتوفر عليه بالخصوص من إمكانيات معتبرة(أموال، امتيازات من كل نوع، ابتزاز، توريط...)

وهكذا قام باختراق عدة جمعيات وخاصة جمعية الأخوية الجزائرية في فرنسا التي أنشئت في 20 ديسمبر 1990. وباعتبار هذه المنظمة "مندوب" للـ(ج.إ.إ/FIS) في فرنسا، فستقوم ابتداء من يناير 1992 باستقبال مناضلي ومسؤولي الحزب الهاربين من عمليات القمع في الجزائر، وتنظيم الاجتماعات، وقد كانت مسيرة من طرف جعفر الهواري وموسى كراوش الناطق الرسمي، والعضو النشيط في (أ.ج.ف/FAF)، وهو موظف في بلدية أرجنتاي Argenteuil، وقد كان هذا الأخير مكلفا بتحرير المنشورات المؤيدة للـ(ج.إ.إ/FIS) "كالمعيارLe Critère" و"المقاومة La Résistance" و"الراية L Etendard".

كان كراوش هو واسطة العقيد حبيب، فقد استخدم من طرفه في ربيع 1993 لإجراء المفاوضات الأولى في ألمانيا مع رابح كبير الناطق الرسمي باسم الـ (ج.إ.إ/FIS) في الخارج، وقد ذهب إلى درجة تنظيم لقاء بينه وبين جان شارل مارشياني Jean-Charles Marchiani صديق ومستشار شارل باسكوا Charles Pasqua وزير الداخلية الجديد في فرنسا (لقد أكدت لي هذه المعلومات منذ 1993 من طرف رئيس مكتب وكالة الاستخبارات الأمريكية "CIA" في بون) إن (ج.م.ف/DST) و(م.ج.م/DCE) يسيران يدا في يد في هذه العملية التي كانت ذات هدف مزدوج فبالنسبة للفرنسيين كان الأمر يتعلق بالسيطرة على منظمة غير معروفة لديهم بالقدر الكافي، والتي سيتمكنون أن يراقبوا من خلالها الفرنسيين الذين يلتحقون بجماعات الجهاد في البوسنة و كوسوفو، وبالنسبة إلينا فالهدف بطبيعة الحال كان يتمثل بالدرجة الأولى في القضاء على شبكات التمويل للـ(ج.إ.إ/FIS) في الخارج، ولكن كذلك لضم بعض قادته بطريقة مستترة بغرض تكوين معارضة " مدجنة".

وسيلعب موسى كراوش كذلك دورا مهما في الحملة التي شنها (ج.م.ف/DST) ضد الإسلاميين في نوفمبر 1993 تحت اسم "عملية الأقحوان Operation Chrysanthème" وسأعود إلى هذا الموضوع.

 

حالة علي توشـنت وأولى شبكات الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا

 

منذ فبراير 1992 نظمت عدة محاضرات من طرف (أ.ج.ف/FAF) في العديد من المدن الفرنسية لإدانة توقيف المسار الانتخابي، وكذلك تأييد الحكومة الفرنسية للعسكر في الجزائر. وفي هذا الإطار قام أنور هدام أحد قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) المنتمي إلى تيار الجزأرة 106 المعتدل بإلقاء عدة محاضرات كانت إحداها بمدينة ليون Lyon والتي جمعت العديد من المناضلين والمتعاطفين مع التوجه الإسلامي.

غير أن هذه الاستعادة للنشاط من طرف الإسلاميين لم تمر دون أن تلفت انتباه (ج.م.ف/DST) الذي لاحظ نجاعة تيار الجزأرة فيما يخص تنظيم الهجوم الإسلامي على السلطة الجديدة في الجزائر. لقد كان منظمو كل تلك المحاضرات مسجلين في بطاقية (الاستخبارات العامة/RG) و(ج.م.ف/DST) ومن بين الأشخاص الذين تم استدعاؤهم من هذه الأخيرة كان علي توشنت. وقد كان هذا الأخير موجودا في فرنسا منذ شهور بهدف تحضير دبلوم في القياس الطوبوغرافي، والهندسة المعمارية (في حين أنه لم يكن حاصلا على البكالوريا ولم يكن يحوز سوى شهادة بسيطة في الطوبوغرافيا حصل عليها من الجزائر لا تسمح له بمزاولة دراسة مماثلة في فرنسا).

هو من مواليد 1967 في الجزائر العاصمة بحي شوفاليي، وقد كان توشنت عضوا في تيار الجزأرة للـ(ج.إ.إ/FIS)، وهذا بعد تردده على مسجد الأرقم حيث كان يلقي محمد السعيد خطبه التي كان توشنت أحد أكثر المتحمسين لها.

وبتعرضه لبعض الضغوط الإدارية بعد استدعائه من طرف مصالح (ج.م.ف/DST) بدأت وضعية توشنت تصعب في فرنسا لأن تجديد بطاقة إقامته أصبح من الصعب جدا إن لم نقل مستحيلا، وكانت تلك المشاكل التي تعرض لها توشنت فرصة سانحة لمصالح مخابراتنا.

في بداية 1993 طلبه أحد ضباطنا في باريس لأخذ بعض المعلومات البسيطة (ولقد بلغتني هذه الأخبار في حينها من طرف أحد ضباط (ق.إ.أ/DRS) الذين حضروا هذا الاتصال، والذي كان في منصبه بباريس)، لم يرفض علي توشنت وواصل عقد اللقاءات المنتظمة مع مصالحنا بعد هذا الاستجواب الأول وقد تم مقابل ذلك تسوية وضعيته إزاء الخدمة الوطنية كما حصل على تجديد بطاقة إقامته في فرنسا. ودائما في 1993 حصل من طرف المصالح الجزائرية على مساعدة مالية مكنته من عقد قرانه واستقدام زوجته إلى فرنسا، وبمباركة العقيد حبيب ذهب إلى الجزائر في صيف 1993، وواصل الذهاب والإياب مرارا بعد ذلك.

 فهذه الفترة هي التي عرفت أولى خلايا الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا وكانت تنشط أساسا في ضواحي باريس وليون ومرسيليا وليل Lille. وقد عين علي توشنت فيما بعد (من طرف جمال زيتوني أمير الـ"ج.إ.م/GIA" وكيل "ق.إ.أ/DRS") كمسؤول عن شبكة الـ(ج.إ.م/GIA) في أروبا. وبأكثر تحديد فالعقيد حبيب هو الذي أوكل إليه هذه الوظيفة، ولإبعاد الشبهات عن توشنت، وضمان السرية لنشاطه أقام منذ سنة 1994 في بلجيكا ثم في هولندا. وقد علمت خلال مهمة قمت بها إلى لاهاي من زميلي في بروكسل الرائد إسماعيل أن حبيب الذي لم يكن "يعرفه" أحد في هذه البلدان قام بعدة زيارات سرية إلى هناك سنة 1994 للالتقاء بعلي توشنت وتبليغه التعليمات (وزيادة على ذلك أن الرائد إسماعيل قد استدعي إلى الجزائر لأنه استنكر لدى رؤسائه هذه الزيارات المرتجلة والمتكررة التي قام بها حبيب إلى "منطقة صلاحيته" دون إخطاره). ولقد نجح توشنت بمساعدة عملاء آخرين من إسلاميي (ق.إ.أ/DRS)، أن يجند في منظمته العديد من الشبان الجزائريين بمن فيهم العديد من أبناء المهاجرين كخالد خلخال الذي سيقتل في ظروف مشهدية بالقرب من ليون في 29 سبتمبر 1995 من طرف رجال الـ (GIGN) الفرنسي.

بدأ تكوين شبكات الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا انطلاقا من مسجد شارع ميرة (MIRHA) في الدائرة XVIII الثامن عشرة بباريس الذي يؤمه عدد كبير من الجزائريين، وكان يشرف عليه الإمام عبد الباقي صحراوي أحد المؤسسين للـ(ج.إ.إ/FIS)، وقد كان يتم في هذا المسجد جمع الأموال وتجنيد العناصر التي ستوجه إلى صفوف المقاومة في الجزائر، والذين كان بعضهم يقوم برحلة إلى أفغانستان للتدرب على استعمال السلاح واكتساب فنون الحرب (نصب الكمائن، إبطال مفعول الألغام، استعمال المتفجرات...الخ)

لم يكن هؤلاء الإسلاميون الشبان الذين ينخرطون في هذه الشبكات الراديكالية يعلمون بطبيعة الحال أن كل ذلك كان مراقبا بشكل دقيق من (ق.إ.أ/DRS) وبالتالي من عملاء العقيد حبيب، وهكذا فإن من العملاء الأكثر نشاطا الذين لعبوا دورا مهما في تكوين النواة الأولى للـ(ج.إ.م/GIA) هو محمد توامي المدعو حاج لخضر، وهو أحد الأوباش القدامى من حي بلوزداد، دخل في النشاط الإسلامي وانظم إلى الـ (ج.إ.إ/FIS)، وقام بأولى خطواته الجهادية مع جماعة التكفير والهجرة في مسجد كابول ببلوزداد في العاصمة، وقد سجل في بطاقية الشرطة في الجزائر، وألقي عليه القبض من طرف عناصر(م.ج.م/DCE) لإسماعيل العماري قبل أن يتم إطلاق سراحه ليلتحق بفرنسا سنة 1992، ويتعهده رجال مصالحنا هناك، وعندما وصل إلى باريس اتصل بالعقيد حبيب لتأسيس شركة صورية، للاستيراد والتصدير في قطع الغيار والسيارات (أحيانا تكون مسروقة) وقد استخدمت هذه الشركة غطاء لنشاط الـ(ج.إ.م/GIA) على التراب الفرنسي، وسيكون العميل محمد توامي من القلة القليلة التي نجت من كل المحن (عملاء الشرطة، التوقيف...) التي عرفها الإسلاميون في باريس (وسيستعمل فيما بعد حتى لترقية سياسة الوئام المدني، ويعود إلى الجزائر ليحظى بالتشريفات المتناسبة مع مقامه) وبالفعل فبفضل مساهمته الفعالة تمكن العقيد حبيب، و(ج.م.ف/DST) من إقامة الشبكات الإسلامية، ومسالك توجيه الأسلحة إلى الجزائر، والتي مكنتهم لاحقا من القيام بحملات التوقيف في أوساط الإسلاميين وقد كانت أهم هذه العمليات بدون شك هي " قضية محمد شلبي" في 1994 التي ستكون لي فرصة العودة إلى الحديث عنها لاحقا.

وهناك عميل آخر للمخابرات الجزائرية لعب دورا هاما وهو محمد الوانيغي المدعو عبد الله، قد تم تسريبه سنة 1994 من طرف الـ(أ.ع/SM) ليعمل كموظف في مسجد باريس (وقد أصبح من المساعدين الرئيسيين للعميد دليل بوبكر) ولقد باح لي العقيد حبيب سنة 1995 بأن هذا العميل التابع للعقيد فريد قد سبق أن أثبت قدرته في الجزائر (وقد أكدت هذه المعلومة سنة 2002 من طرف النقيب هارون الذي كان حينها في منصبه بباريس) لقد كلف بتفجير سيارة مفخخة في موقف السيارات برياض الفتح في العاصمة يوم 21 يناير سنة 1993 أثناء شهر رمضان وهو الاعتداء الذي ألصق طبعا بالإسلاميين.

لقد أرسل إلى فرنسا سنة 1994 مثل الحاج لخضر، وأدمج ليعمل في شركة الخطوط الجوية الفرنسية كحامل أمتعة، ألقي عليه القبض في نوفمبر 1994 وأطلق سراحه من طرف محققي (ج.م.ف/DST) عندما علموا أنه عميل للمخابرات الجزائرية، وقد نجح محمد الوانيغي بمساعدة أخيه الأصغر(الذي استقدمه العقيد حبيب من الجزائر) أن يكون مجموعة في فرنسا مكلفة باستهداف الشخصيات الجزائرية المعارضة للسياسة الاستئصالية التي ينتهجها "الصقور"، وقد كان من بين أهدافها المحتملة الجنرال المتقاعد محمد عطايلية (المقيم في فرنسا خلال سنوات الدم والمالك لجزارة في باريس) رئيس ناحية عسكرية سابق، ومفتش سابق للجيش، مناصر للحوار وعدو لدود للجنرال خالد نزار.

 

المناولة لصالح (ج.م.ف/DST)

 

لقد كان الاتجار في الأوراق والوثائق المزورة من المصادر الهامة للمعلومات بالنسبة للعقيد حبيب، وكان من أنشط عملائه في هذا المجال شخص اسمه كمال ويدعى طوني (مستعمل من طرف علي أورال ضابط صف عامل بسفارة الجزائر في فرنسا) الذي قدم معلومات أساسية عن الشبكات الإسلامية في أروبا. ومن جراء تعاونه أصبح هذا العميل مليونيرا وهو لا يكاد يتجاوز الثلاثين من عمره على أن أروع "خبطة " للعقيد حبيب كانت بكل تأكيد تجنيد قمر الدين خربان. لقد كان الرجلان يتعارفان منذ 1986، إذ أن حبيب هو الذي كان قد أوقف حينها ضابط الصف قمر الدين خربان (المولود في 14 نوفمبر 1956 بالعاصمة) في قاعدة طفراوي الجوية بسبب تورطه في قضية بويعلي وطلب طرده من الجيش. وقد أصبح خربان بعد ذلك شخصية مهمة في الحركة الإسلامية. وفي جوان 1991 كان من قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) القلائل جدا الذين نجحوا في الإفلات من قبضة (م.ت.خ/GIS) أثناء الهجوم على مقر الحزب بالعاصمة، وهو الذي حاولت بدون جدوى أن أعثر على مكانه بباكستان سنة 1992 (أنظر الفصل السادس) وهو مقرب من أسامة عباسي نجل عباسي مدني زعيم الـ (ج.إ.إ/FIS) كما كان أيضا أحد المسؤولين على تنظيم "الباقون على العهد" قبل أن يعين سنة 1993 نائب رئيس الهيئة التنفيذية للـ(ج.إ.إ/FIS) في الخارج وابتداء من ماي 1994 سيعتبر المسؤول عن (جش.إ.إ/AIS) في أروبا.

فبعد أن شوهد في باريس سنة 1993 نجح مبعوث العقيد حبيب أن يقنعوه بالقدوم إلى السفارة ومن أول اتصال تمكن ضابط الـ(أ.ع/SM) من السيطرة عليه، ولقد روى لي حبيب أنه ألحّ على ضرورة مشاركة كل المواطنين في إصلاح الوضع في الجزائر وأنه بصفته عسكريا قديما ووطنيا لا يمكنه التملص. فقبل خربان أن يتعاون مع حبيب وأصبح يطبق كل تعليماته ولكن في الحقيقة وقع خربان في ذلك على الخصوص بسبب ابتزازه من طرف الضابط المكلف به والذي كان يمتلك ملفا خطيرا ضده يتعلق بقضية اختلاس أموال الـ (ج.إ.إ/FIS) في فرنسا (تقدر بمئات الآلاف من الفرنكات) التي اختلسها من الأموال المجمعة بواسطة مكتب الخدمات الذي فتحه مع أحد الأشخاص المدعو عبد القادر مشكور، من تيارت الذي كان هو كذلك قد جند من طرف الـ(أ.ع/SM) (قبل أن يخل بالالتزام بعد ذلك) وقد قام خربان سنة 1993 بعدة مهام إلى سويسرا وإيطاليا لحساب العقيد حبيب.

ونتيجة العلاقة المتميزة بين مصالح المخابرات الجزائرية و(ج.م.ف/DST) فإن العقيد حبيب كان يقاول من الداخل لصالح نظرائه الفرنسيين وخاصة فيما يتعلق بالحرب في البوسنة التي كانت تنذر بحدوث تكرار "أفغانستان ثانية" في أروبا، والتي من شأنها أن تجذب فئات من الشباب الفرنسي المنحدرين من الهجرة والمهمشين من المجتمع، والذين قد يجدون ضالتهم في الخطب الدينية ويستهويهم الجهاد.

فقد كان إذن من المستعجل جدا تحديد مسالك التزويد بالأسلحة ووسائل توصيلها إلى المعنيين. كما كان (ج.م.ف/DST) يحاط علما كذلك بالفرنسيين الذين يتجرون في السلاح وكذلك وجود عناصر من اليمين المتطرف في عين المكان. ولقد كان الدور المخول لخربان هو القيام بمهام متكررة إلى البوسنة، وألبانيا على نفقة رئيس مكتب الـ(أ.ع/SM) بباريس.

ولقد حدثني العقيد حبيب كذلك عن مشروع معسكر للتدريب في كورسيكا (يحتمل أن تكون ثكنة قديمة قد وضعتها الاستخبارات الفرنسية تحت تصرفهم) وقد كان سيعهد به إلى خربان. والذي اعتقدت أنني فهمته، هو أن هذه المبادرة كانت تستجيب لانشغالهم بإرسال هؤلاء "المجاهدين الممتهنين" إلى الأماكن الساخنة في العالم (مثل أفغانستان، الشيشان، البوسنة، كوسوفو...) وليس للجهاد حصرا ولكن أيضا لجمع المعلومات المفيدة لـ(ق.إ.أ/DRS) وللمخابرات الفرنسية في نفس الوقت ولا أعرف إذا كان هذا المشروع قد تم إنجازه أم لا، لأن خربان ذهب بعد ذلك إلى بريطانيا وأنا غادرت الـ(أ.ع/SM).

 

"عملية الأقحـوان"

 

إن هذا السياق المضطرب جدا هو الذي جُرت فيه فرنسا رغما عنها إلى "الحرب القذرة" من طرف جنرالات الجزائر. لقد خطرت لهم هذه الفكرة في صيف 1992 بعد فشل الجولة التي قام بها علي هارون عضو (م.أ.د/HCE) عبر العديد من العواصم الأروبية للحيلولة دون إدانة الانقلاب من طرف الاتحاد الأروبي، ووجدت الجزائر نفسها معزولة سياسيا وتتعرض للمقاطعة عسكريا، وبعد فشل الزيارات المكوكية للسياسيين وإخفاق الآلة الديبلوماسية، دخل العمل الموازي للعربي بلخير وإسماعيل العماري في الميدان وتفوق على الديبلوماسية المحتضرة المحشورة في وظائف قنصلية وروتينية. ولمحاولة تحطيم عزلتنا الديبلوماسية على الساحة الدولية أجهدنا أنفسنا إذن في "تحسيس" وأحيانا رشوة صحافيين أجانب بإرسالهم إلى الجزائر مع ضمان التكفل الكامل بهم في الفنادق الفاخرة، وفي إقامات الدولة كي يكتبوا وينشروا مقالات تشيد بالنظام، وتشنع بأعمال الإرهاب التي يقوم بها "الأصوليون".

لقد استغلت عودة اليمين الفرنسي سنة 1993 بمهارة، وأحييت الصداقات القديمة بفضل الوعود بإسناد الصفقات، وكذلك بفضل الحقائب المملوءة بالأوراق النقدية التي كان يحملها ضباط الـ(أ.ع/SM) العاملين في باريس إلى رجال الحاشية لرشوة رجال السياسة وتمويل أحزابهم. ولقد أكدت هذه الممارسات من طرف ضابط مخابرات منشق دون أن يفندها أبدا مسؤولو الجزائر107، ويجب القول هنا أن مثل هذه الممارسات أصبحت تندرج ضمن التقاليد المعتادة لدى المسؤولين منذ سنوات طويلة "لشراء" الشخصيات السياسية، وكذلك رجال الأعمال والصحفيين معا.

لكن في خريف 1993 وجدت فرنسا نفسها متورطة مباشرة في الحرب. فقد تم اختطاف ثم قتل مهندسين فرنسيين في مدينة سيدي بلعباس في الغرب الجزائري في 21 سبتمبر 1993 وأجهل ما إذا كانت هذه الاغتيالات ثمرة لمناورات (ق.إ.أ/DRS) أو هي فعل إرهابي حقيقي، وفي المقابل لم يكن الشك ممكنا في حقيقة اختطاف ثلاثة موظفين في قنصلية فرنسا في الجزائر بعد ذلك بثلاثة أشهر، ويتعلق الأمر بالزوجين جان كلود وميشال تيفيرون وآلين فريسيي (الذين سبق التطرق إليهم في الفصل السادس) وقد اختطفو يوم 24 أكتوبر في العاصمة من طرف جماعة أطلقت على نفسها اسم الـ(ج.إ.م/GIA)، وقد تم إطلاقهم بعد أسبوع من ذلك بكيفية مثيرة للارتياب (وذلك بتحميلهم "إنذار" من خاطفيهم يأمر كل الأجانب بمغادرة البلد) ما كان لي أن أعرف شيئا عن هذه القضية الغريبة ولكن ليس بوسعي إلا أن أشارك قناعة الصحفيين روجي فاليجو Roger Faligot وباسكال كروب Pascal Krop اللذين بينا أن تلك العملية لم تكن سوى قضية مدبرة من (ق.إ.أ/DRS) لإجبار الحكومة الفرنسية على أن تصبح أكثر فعالية وصرامة في قمع الشبكات الإسلامية في فرنسا.108

ولقد أكدت هذه الأطروحة وحددت فيما بعد من طرف (ح.ج.ض.أ/MAOL) التي بينت سنة 2000 على موقعها في الإنترانيت www.anp.org 109 بأن هذا الحدث قد حضر على نطاق ضيق بالتشاور بين إسماعيل العماري، وبعض العناصر من (ج.م.ف/DSTوأن الخاطفين كانوا عناصر من (م.ج.م/DCE) الذين ادعوا أنهم إسلاميون. والشيء الذي تبين بوضوح فيما بعد، على كل حال، هو أن الوزير الفرنسي للداخلية شارل باسكوا قد اغتنم هذه الفرصة لإطلاق عملية "الأقحوان" يوم 9 نوفمبر 1993 كرد فعل "انتقامي"، وقد شملت هذه الحملة غالبية مناضلي الـ (ج.إ.إ/FIS) الذين كانوا يعيشون على التراب الفرنسي وانتهت بوضع العديد منهم تحت الإقامة الجبرية في فولنمبري  Folembray، كما أدت إلى نفي البعض الآخر فيما بعد إلى بوركينا فاصو، كأن الطرق الاستعمارية القديمة ظلت دائما راسخة (فعندما كان السكان الأصليون في الجزائر يطالبون بالحقوق والمساواة، كان مصيرهم النفي إلى كايان في جويانا. أو إلى كاليدونيا الجديدة) ولكن الاستخدام والتلاعب هذه المرة ينطلق من الجزائر ويتواصل في باريس.

وفي إطار هذه العملية تم بالفعل العثور على وثائق منسوبة إلى الـ(ج.إ.م/GIA) تتبنى فيها اختطاف موظفي القنصلية الفرنسية في الجزائر وذلك أثناء تفتيش الشرطة لمنزل موسى كراوش(هذا القائد الإسلامي المراقب من العقيد حبيب كما سبق الذكر) والحقيقة كما علمت فيما بعد، أن هذا البيان كان قد حرر في مركز عنتر، ووضع في بيته من طرف (ج.م.ف/DST). وبكل غرابة تستخدم هذه الوثائق حينها لإبعاد العديد من مسؤولي الـ (ج.إ.إ/FIS)، في حين يحبس موسى كراوش أسبوعين ثم يفرج عنه قبل أن يوضع تحت الإقامة الجبرية. وبعد سبع سنوات يبرأ تماما من التهم التي كانت موجهة إليه وهي قيادة جماعة أشرار ذات علاقة بمؤسسة إرهابية وأثناء محاكمته في شهر يوليو 2000 نطق قاضي التحقيق روجي لوروار Roger Leroire بقرار المحكمة لفائدته بانعدام وجه إقامة الدعوى. وقد لاحظ القاضي الباريسي أن الأدلة المقدمة "كانت بكل بساطة مركبة من طرف الشرطة" (بقيادة المحافظ روجي ماريون Roger Marion وقتها) وقد كانت مناورة الشرطة تتمثل في وضع تلك الوثائق لدى مناضلي الـ (ج.إ.إ/FIS) في فرنسا لتبرير "عملية الأقحوان" قصد توقيف قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) ومنع نشاط الحزب الإسلامي في فرنسا110. إن بلاغ الـ(ج.إ.م/GIA) المزعوم الذي "وجد" لدى موسى كراوش كان يحمل تاريخ ليلة إلقاء القبض عليه!!.

 

جمال زيتوني ضد فرنسا!

 

لقد كانت 1994 سنة حاسمة. فالجزائر كانت على حافة الإفلاس والمفاوضات التي تجري مع البنك الدولي تسير ببطء، والمستثمرون متذمرون، وهيآت التأمين الفرنسية (COFACE) والألمانية (HERMES) لم تعد تضمن القروض.

بعد توقيع الاتفاق أخيرا مع صندوق النقد الدولي في ماي 1994 قام دائنو الجزائر وعلى رأسهم فرنسا بتقديم دعم مالي ضخم وبدون تحفظ إلى الحكومة الجزائرية وعلى العكس فإن هذه الجرعة من الأكسجين ستدفع بالجنرالات إلى الزيادة من التشديد والتضييق على المجال السياسي. فسيتم في شهر أكتوبر توقيف المفاوضات التي بدأها الرئيس الجديد اليمين زروال في فبراير 1994 مع قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) المسجونين في البليدة. وكما أسلفنا من قبل، فعندما رأوا بأن العنف لا يتناقص، خلص الرئيس اليمين زروال ومستشاريه (الجنرال محمد بتشين والجنرال الطيب الدراجي) منطقيا إلى أن التحسين من ظروف اعتقال قادة الـ (ج.إ.إ/FIS) وإقامة الحوار سيشكلان خطوة نحو تهدئة الأوضاع. وإني متأكد جدا أنهم كانوا يجهلون تماما في ذلك الوقت مناورات وتلاعبات (ق.إ.أ/DRS) بالـ(ج.إ.م/GIA) وبالعنف الأعمى، لكن أهداف الجنرالات العماري والتوفيق ومعاونيهم هو دائما تحطيم الـ (ج.إ.إ/FIS) (أو على الأقل ما تبقى منها) والإبقاء على الفوضى واللااستقرار للاحتفاظ بالسلطة، ولذلك تضاعفت حدة العنف!

وكما سبق أن ذكرت، فإن الثلاثي الثاني من سنة 1994 قد عرف هكذا إثارة هيجان القتل بكيفية لم يسبق لها مثيل، خلف آلاف الضحايا من المدنيين. فالعمل المشترك للقوات الخاصة التابعة لـ(ل.ت.ع.م.ت-CC/ALAS)، فرق الموت التابعة لـ(ق.إ.أ/DRS) كـ(م.ش.ج.ح/OJAL) و"الجماعات الإسلامية للجيش" بين بداهة أن الأمر كان يتعلق بمخطط متفق عليه من طرف أصحاب القرار (فهذا الوقت هو الذي تمت فيه عملية الهروب من سجن تازولت –أنظر الفصل السابع- والتكوين الرسمي لأولى الميليشيات وهما كما رأينا مبادرتان قصد بهما تنمية الفوضى وزيادة عدم الاستقرار). وبعد التخلص سنة 1994 من الجنرال فضيل السعيدي (رئيس "م.ت.أ.خ/DDSE " الذي كان يعارض أساليبهم، بتعيينه على رأس الناحية العسكرية الرابعة) أصبحت أيادي توفيق وإسماعيل ورجالهما طليقة، وأصبح الطريق مفتوحا أمامهم لينتقلوا إلى مرحلة جديدة من استخدام العنف الإسلامي مازجين الجرائم وتشويه الأخبار قصد ضمان دعم الدائنين العموميين الدوليين لسياسة "الكل أمني".

ففي يوليو تم اغتيال حوالي 10 أجانب (كروات، روس، رومان، طليان) وفي 3 أوت قام كوماندو باغتيال ثلاثة دركيين فرنسيين وموظفين في السفارة بعين الله بدالي براهيم (وهي العملية التي قام بها جمال زيتوني كما سبق الذكر) وفي 12 أوت يصل بيان صادر عن الـ(ج.إ.م/GIA) إلى باريس يطالب فرنسا بالكف حالا عن تقديم الدعم للجنرالات، وفي حالة عدم الامتثال فإن المصالح الفرنسية ستكون مهددة. في 24 أوت أصدرت الـ(ج.إ.م/GIA) بيانا بتوقيع جمال زيتوني يعلن فيه عن تشكيل "حكومة خلافة" ويزعم البيان أنها تضم وزراء من بعض شخصيات الـ (ج.إ.إ/FIS) اللاجئين في فرنسا من الذين تم انتخابهم في برلمان 1991، والمعروفين بمواقفهم الراديكالية (كأنور هدام أو احمد الزاوي) وكذلك محمد السعيد وهو ما كان يعني أن هؤلاء الرجال متطرفين من الـ(ج.إ.م/GIA) من دعاة نقل الإرهاب إلى أروبا! وقد كذب محمد السعيد هذا الادعاء، وكذلك "الوزيران" الآخران المعنيان مؤكدين جميعهم بأن الأمر يتعلق ببلاغ مختلق من مصالح (ق.إ.أ/DRS) لحاجة حملتهم الجديدة لتشويه الأخبار باستعمال الـ(ج.إ.م/GIA). وتتواصل مثل هذه البلاغات، ففي 17 سبتمبر أرسل بلاغ جديد من الـ(ج.إ.م/GIA) بإمضاء جمال زيتوني دائما إلى الجرائد العربية الصادرة في لندن، مؤكدا معارضته للحوار الذي بدأه اليمين زروال.

إن هذه السلسلة من البيانات المصنوعة في مخابر (ق.إ.أ/DRS) كانت تستهدف بكل وضوح الرأي العام الفرنسي كي يضغط على حكومته. وبالفعل لم تتردد فرنسا في مساعدة الجنرالات (ولو أن ذلك تم في السر بطبيعة الحال) فقد علمنا يوم 15 نوفمبر 1994 أن الحكومة الفرنسية رخصت بيع 9 مروحيات من نوع "إيكوراي Ecureuil" للجزائر موجهة للحماية المدنية قصد حراسة الشواطئ) ولكن بمجرد استلامها في مارس 1995 تم دهانها باللون العسكري، وتجهيزها بآلات معقدة لاستعمالها في الحرب ضد الإرهاب.

ولكن هذا كله لا يكفي، فسياسة الضغط التي مارسها (ق.إ.أ/DRS) على فرنسا بواسطة الإسلاميين ستعرف قريبا تطورا مأساويا في فرنسا ذاتها. وذلك باختطاف طائرة الأيرباص التابعة للخطوط الجوية الفرنسية في نهاية 1994 وكذلك تفجيرات 1995.

 

"قضية شلبي" العجيبة!

 

قبل ذلك كان خريف 1994 قد عرف بداية " قضية شلبي" ذائعة الصيت التي أطلقت مسلسلا إعلاميا قضائيا تواصل عرض حلقاته حتى سنة 2002. إن هذه القضية كانت مثالا جليا عن مدى العلاقة الوطيدة القائمة بين مصالح (ق.إ.أ/DRS) ونظيرتها الفرنسية علاقات مبنية على أساس التبادل بالمثل للمعلومات الاستخباراتية، ولكن الاشتراك كذلك في "العمليات الدنيئة" بين الجهازين لمساعدة بعضهما بعضا كما كان الشأن بالنسبة لقضية مسلي سنة 1987 111 أو سنة 1993 مع الاختطاف المزعوم لموظفي سفارة فرنسا في الجزائر التي كانت تستهدف تبرير عملية "الأقحوان". ففي نوفمبر 1994 أعلنت الصحافة الفرنسية أن الشرطة وبعد تحقيقات طويلة قد توصلت إلى تفكيك شبكة هامة لدعم الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا وقد أسفرت العملية عن اكتشاف المئات من قطع السلاح والآلاف من الخراطيش. وقد كان على رأس هذه الشبكة حسب الشرطة الفرنسية شخص يدعى محمد شلبي الذي كان ينشط من مدرسة قرآنية بـ شوازي لوروا  Choisy-le-Roi  "تحت غطاء" جمعية دينية، هي جمعية تربية مسلمي فرنسا، وزيادة عن محمد شلبي، واثنان من رؤساء الشبكة هما محمد كراوش، ومراد طسين، يوجد "مشبوهون إسلاميون" آخرون وضعوا في السجن ويبلغ العدد الإجمالي للذين تم توقيفهم في إطار هذه العملية 169 شخصا ما بين 1994 – 1995. وقد ذكر اسم محمد شلبي علانية ولأول مرة في الجزائر سنة 1993 عندما ألقت مصالح (م.ج.م/DCE) القبض على شخص يدعى محمد فالكو. ولقد مكن توقيفه من تفكيك مجموعة مكونة من أربعين فردا تنشط من مسجد حي بلوزداد وكان من ضمنهم جمال حطاب وهو قريب لحسان حطاب (الذي أصبح ذائع الصيت بعد ذلك بسنوات، بصفته أميرا للجماعة السلفية للدعوة والقتال "ج.س.د.ق/GSPC" حسب "أخبار" "ق.إ.أ/DRS") وحسب اعترافات الأشخاص الموقوفين فإن جماعتهم التي تخطط لعمليات ضد عناصر قوات الأمن عندها فروع في فرنسا داخل الأوساط الإسلامية المنحدرة من الهجرة ومحمد شلبي يأتي من بين رجال اتصالاتهم. وفي أعقاب هذه الاعترافات أصدرت محكمة جزائرية خاصة حكما بالإعدام غيابيا على هذا الأخير. وحسب هذه الأخبار نفسها فإن (ق.إ.أ/DRS) قام بتحريات في فرنسا أكدت حركية محمد شلبي الذي كان حقيقة على رأس جماعة الدعم والمساندة للإسلاميين الجزائريين.

وقد تولى العقيد حبيب اختراقها ومحاولة ربط الصلة مع جماعات أخرى، كذلك الموجودة في " شاس سور رون Chasse-sur-Rhone" أو في " فيلناف سان جورج Villeneuve-Saint-Georges" وقد كان هدفه كمرحلة أولى هو تلغيم جماعة شلبي و"جعله يتعاون" مع جماعة إسلامية تابعة لـ(ق.إ.أ/DRS) في الجزائر بكيفية تمكنه من مراقبة كل النشاط في فرنسا. ونظرا لفشل عملية " التنسيق" هذه فقد تقرر القضاء على شبكة شلبي. وقد عرفنا فيما بعد أن نشاط جماعة محمد شلبي(التي كانت مراقبة من (ج.م.ف/DST) المتعاونة عن قرب مع مصالح "م.ج.م/DCE") كان مبالغا فيه بشكل لا يصدق، وذلك لاتخاذه ذريعة للقيام بعملية واسعة من التشويه الإعلامي بهدف تبرير القضاء على كل النشاط النضالي للـ(ج.إ.إ/FIS) في فرنسا، وفي الحقيقة، كما قال لي زملائي، فإن الجماعة لم تخزن إلا بضع بنادق صيد وبعض خراطيش لإرسالها إلى المعارضة في الجزائر، وهو ما لم يكن له أية علاقة بالأخبار الواردة في الصحافة والتي تؤكد عثور الشرطة على "ترسانة" حقيقية من " الأسلحة الحربية".

فهل أدخلت هذه الأسلحة المعقدة بواسطة عملاء الـ(أ.ع/SM) أو بواسطة رجال الشرطة الفرنسية لافحام شلبي وشبكته، وتبرير هكذا بالتالي إطلاق الحملة المناهضة للـ(ج.إ.إ/FIS) من طرف وزير الداخلية الفرنسي؟؟ إن السؤال يبقى بدون إجابة، والشك يظل قائما!

إنه شك غذاه التحقيق الطويل الذي ظل يجري حول هذه القضية والذي استفاد خلاله خمسة وثلاثون شخصا موقوفا من عدم ثبوت الأدلة وخاصة في المحاكمة الكبرى التي جرت في فلوري ميروجيFleury-Mérogis من الأول من سبتمبر 1998 حتى 22 يناير 1999، والتي أطلق خلالها سراح خمسين معتقلا أفرج عنهم لانعدام الأدلة من بين مائة وثلاثين متهما (بعضهم قضى عدة شهور في السجن أحيانا بسبب العثور على رقم هاتف مقيد في كناشه. ونتيجة طعن تقدموا به لاحقا فقد حصلوا على ما يقارب مليوني فرنك فرنسي بسبب حبسهم بدون وجه حق) أما بالنسبة لشلبي ومحمد كراوش ومراد طسين فقد حكم عليهم بثماني سنوات سجنا نافذة بتهمة "تكوين جماعة أشرار بالاتصال مع مؤسسة إرهابية"

غير أن المسلسل لم ينته، فبعد إطلاق سراح شلبي في جوان 1999 أعيد توقيفه في 9 نوفمبر 2001 وطرد مباشرة إلى الجزائر بالرغم من كونه مولودا في فرنسا وأب لأولاد فرنسيين (وهو ما يجعله غير قابل للطرد) وبالرغم من كونه تقدم في مارس 2000 بعريضة لمحكمة باريس للحصول على إلغاء [إجراء منع البقاء على التراب الفرنسي المتخذ في حقه] وبمجرد وصوله إلى الجزائر تم سجنه واتهامه بـ"تكوين وانتماء إلى جماعة إرهابية مسلحة تهدف إلى ارتكاب جرائم تخريب وتدمير" لأنه كما أوضحت محكمة الجزائر، قد كان " محل حكم إجرامي صدر في حقه غيابيا على جرائم إرهاب وتخريب" في الوقت الذي كانت الحكومة الفرنسية قد أشارت يوم 9 نوفمبر إلى أن "السلطات الجزائرية قد أخبرتنا بأن [شلبي] لم يكن محل أي حكم جزائي صدر ضده في الجزائر".

لو كان محمد شلبي إرهابيا فلماذا ترك حرا ما بين 1999 و2001؟ في الحقيقة محمد شلبي كان ضحية مؤامرة سرية بين الجزائر وباريس. لقد صرح مسؤول فرنسي رفيع المستوى احتفظ بعدم ذكر اسمه لجريدة "لوجورنال دو ديمانشLe Journal de Dimanche " في 24 نوفمبر 2001 بقوله " لقد كنا نعلم أنه سيسجن بمجرد وصوله، فشلبي ممنوع من البقاء على التراب الفرنسي، وليس لدينا أي سبب في الابقاء على دعم لإرهابيين إسلاميين، وزيادة على ذلك فإن الجزائر كانت تريده. وفي المقابل فقد وعدتنا السلطات الجزائرية بأن ظروف حبسه ستكون سليمة، وأن يكون له الحق في محاكمة عادلة وأن لا يحكم عليه بالإعدام. وأن سفارتنا في الجزائر تتابع هذا الموضوع عن كثب، إن وزير الخارجية هو الذي تكفل بهذه الصفقة".

وفي مارس 2002 انطلقت محاكمة شلبي من جديد في الجزائر وقد طلب وكيل الجمهورية بإصدار الحكم بالإعدام في حق "الشخص الذي كان على رأس جماعة تحضر للقيام بعمليات اغتيال ضد الجنرال خالد نزار والجنرال العربي بلخير، وضد بلعيد عبد السلام" لقد كان الملف فارغا ونظرا لأن الاتهام لم يستطع أن يأتي لا بالدليل ولا بالشهود فقد نطقت المحكمة بالبراءة في 20 ماي.

إن هذه القضية الجديدة التي اتهم فيها شلبي لم تكن إلا سيناريو مبنيا من أوله إلى آخره من طرف بعض الدوائر الفرنسية لتبرئة نفسها إزاء السلطات الجزائرية التي تتهم العواصم الأروبية بإيواء الإرهابيين من جهة، وإزاء الأمريكان الذين هزتهم أحداث 11 سبتمبر 2001 من جهة أخرى.

 

 

 

 

 

قضية الأيرباص، قضية روما واغتيال الإمام صحراوي

 

عودة إلى سنة 1994، والتلاعب العجيب الذي قام به (ق.إ.أ/DRS) لممارسة الضغط على فرنسا، في 24 ديسمبر قام كومـاندوس من أربعة أفراد (قراصنة جويين) يدعون أنهم ينتمون إلى الـ(ج.إ.م/GIA) باختطاف طائرة من نـوع إيرباص تابعة لشركة الخطوط الجوية الفرنسية كانت على وشك الإقلاع في اتجاه باريس وعلى متنها 272 راكبا، ولقد كانت مطالب الـ(ج.إ.م/GIA) تتمثل في إطلاق سراح عبد الحق العيادة المدعو أبو عدلان رئيس الـ(ج.إ.م/GIA) صنيعة (ق.إ.أ/DRS)، المحبوس في سجن سركاجي بالجزائـر (الذي تحدثت عنه سابقا أنظر الفصل الثامن) بعد أن قتلوا ثلاثة ركاب هم شرطي جزائري وطباخ سفارة فرنسا في الجزائر، ورعية فيتنامية. قتل المختطفون بدورهم إثر هجوم عليهم من طرف رجال الـ(GIGN) الفرنسيين فوق مطار مارينيان بمرسيليا حيث كانت الطائرة جاثمة.

بمجرد إمعان النظر في السياق الزمني لهذه القضية والظروف نفسها التي أحاطت بها يتبين أن الأمر يتعلق بعملية مدبرة وموجهة من (ق.إ.أ/DRS) قام بها جماعة من الإسلاميين موجهين دون علمهم! ففي هذه الفترة "من الحرب " كانت المراقبة على مستوى مطار الدار البيضاء بالفعل عديدة ومتنوعة لاسيما وأن أسابيع قليلة قبل ذلك اختطفت طائرة تابعة للخطوط الداخلية العامة على خط الجزائر – ورڤلة، يوم 13 نوفمبر وحولت نحو مدينة أليكانت الإسبانية من طرف ثلاثة من رجال الشرطة. لقد كان إذن من المستحيل إدخال السلاح حتى الطائرة بدون تواطؤ على مستوى رفيع جدا، زيادة على ذلك أنه لم يتم معاقبة أي شخص محتمل تورطه في هذه العملية (وماذا يقال عن الاغتيال الغريب والمريب الذي ذهب ضحيته يوم 24 ديسمبر محافظ المطار بالجزائر والذي كان قد نصح بعض المسافرين بعدم أخذ هذه الرحلة بالذات للخطوط الجوية الفرنسية؟) خاصة وأن العملية كانت متبناة من جمال زيتوني والذي يؤكد بما لا يدع مجال للشك تدبيرها من طرف (ق.إ.أ/DRS). وأخيرا، الكيفية التي سير بها المختطفون هذه العملية بينت أن الأمر يتعلق بأشخاص عديمي التجربة ليست لهم أية علاقة "بالمحترفين" الذين نفذوا عملية اغتيال الرئيس محمد بوضياف، قاصدي مرباح، عبد الحق بن حمودة، أو الطاهر جاووت 112.

غير أن المسؤولين الفرنسيين تمسكوا بالخرافة التي تفيد أن الخاطفين كانوا ينوون تفجير الطائرة في سماء باريس قبالة برج إيفل، وكأنه لدق المسمار أكثر وتأكيدا لذلك سيتم بعد ثلاثة أيام من هذه الحلقة المفجعة، قتل أربعة قساوسة من الآباء البيض يوم 27 ديسمبر بتيزي وزو وهم (جان شوفيلارد Jean Chevillard، وكريستيان شوسالChristian Chessel ، وألان ديولانقارد Alain Dieulangard، وشارل ديكيرCharles Deckers) وقد نسب الاغتيال إلى "جماعة مسلحة".

ولكن بالنسبة لفرنسا فإن الأسوء كان لم يقع بعد! فستعرف باريس صيفا ساخنا جدا سنة 1995. يجب القول أنه رغم كل هذه الأحداث أن الوزير الفرنسي للشؤون الخارجية ألان جوبي (الذي سيصبح رئيسا للوزراء في ماي 1995) بقي متحفظا تجاه جنرالات الجزائر حيث كان يشكو بقوة أنهم يقومون بدور مزدوج: والأمر الأكثر خطورة بالنسبة لهؤلاء، هو أن مبادرة ديبلوماسية هامة كانت ستضعهم في قفص الاتهام أمام المجموعة الدولية.

في نوفمبر 1994 جمعت المجموعة الكاثوليكية الإيطالية في سانت اجيديو في روما كل ممثلي المعارضة الجزائرية: الديمقراطيين("ح.ع/PT" و"ج.ق.إ/FFS" و"ر.ج.د.ح.إ/LADDH") وإسلاميي الـ(ج.إ.إ/FIS)، وحتى وطنيي (ج.ت.و/FLN)، وقد تمخض هذا الاجتماع عن تبني هذه التنظيمات "لأرضية الخروج من الأزمة" في الجزائر مطالبة بالتفاوض مع السلطة، وتكوين مؤسسات انتقالية قبل تنظيم انتخابات جديدة. وفي ديسمبر 1994 تلقيت أمرا من مسؤول في (ق.إ.أ/DRS) يطلب مني السعي لدى السلطات الألمانية، لمنع رابح كبير ممثل الـ (ج.إ.إ/FIS) من التنقل إلى روما لحضور الاجتماع في سانت أجيديو، هاتفت العقيد فوزي الذي كان في منصبه في روما، فأكد لي صحة انعقاد اجتماع المعارضة بالفعل، وحينئذ أخبرت رسميا مسؤول مصالح المستشارية، وكذلك مسؤولي مصالح الأمن الألماني كي لا يمنحوا ترخيص التنقل لرابح كبير، وعندما علم الجنرال إسماعيل بهذا الخبر سر به أيما سرور، لأنه كان يعتقد أن ممثل الـ (ج.إ.إ/FIS) (الحزب الرئيسي في المعارضة) لن يكون حاضرا، ولكن سرعان ما خاب ظنه عندما علم أن رابح كبير قد عوض بأنور هدام الذي قدم من الولايات المتحدة الأمريكية على نفس الرحلة في الطائرة مع جانات رينو Janet Reno الوزيرة الأمريكية للعدل. و على خلاله تم ربط الأمور بسرعة، حيث لم يتردد قسم العمل النفساني لـ(ق.إ.أ/DRS)(المرتبط بالصحافة) أن يتحدث عن "التأييد الأمريكي للـ(ج.إ.إ/FIS)".

وهكذا وبدون مفاجأة يرفض أصحاب القرار هذا النداء إلى السلم "جملة وتفصيلا"، ولقد كان الرئيس الفرنسي ورئيس وزرائه يؤيدان بالفعل، ولو في السر هذه المبادرة لحل الأزمة الجزائرية. ومن هنا أتى تصلب الجنرالات من جديد، وهو ما أدى إلى نتائج كارثية تمثلت في الاعتداءات والتفجيرات المتلاحقة التي هزت فرنسا في صائفة 1995، وكذلك اغتيال الـ(ج.إ.م/GIA) في مارس 1996 للرهبان السبعة لدير تيبحيرين، فقد أعطيت "إشارة الانطلاق" لهذه الحلقة الجديدة من الإجرام يوم 11 يوليو 1995. لقد تم في هذا اليوم اغتيال الإمام عبد الباقي صحراوي عضو مؤسس للـ (ج.إ.إ/FIS) بطلقات نارية في الوجه بمسجده الكائن في شارع ميرة (MIRHA) بباريس، وعندما سقط الإمام صحراوي قام كاتبه نور الدين عمر "وهو رجل مصارع" بملاحقة القتلة، ولكن هؤلاء كانوا محميين في الشارع بشخص آخر منهم أطلق عليه النار من الخلف فأرداه قتيلا برصاصتين في الرأس113، إنه عمل رجال محترفين بحق!

ولقد بقيت هذه الجريمة المزدوجة بدون عقاب، مع أن كل القرائن حينها كانت تتجه صوب (ق.إ.أ/DRS). ففي الأول من يونيو صرحت يومية لاتريبون La Tribune بأن "كوماندوس قد قدم من البوسنة في مهمة لارتكاب عدة اعتداءات في العاصمة الفرنسية وقد تلقى تعليمات بتصفية عدة إسلاميين محكوم عليهم من طرف الـ(ج.إ.م/GIA) بالإعدام كعبد الباقي صحراوي وموسى كراوش"، فما هو مصدر هذا الخبر؟ ولماذا لم تتخذ الشرطة الفرنسية تدابير لحماية الإمام عبد الباقي صحراوي في حين كان المسجد مبدئيا تحت المراقبة منذ الحملات الشهيرة التي قامت بها الشرطة في الأوساط الإسلامية في نوفمبر 1993؟ ومن له الفائدة في قتل عجوز في الرابعة والثمانين من العمر؟

والأغرب من ذلك أيضا هو ما حدث بعدها يوم 17 يوليو حيث عادت الجريدة للتأكيد بأن "خمسة أشخاص هم الذين شاركوا في عملية الاغتيال" وأضافت بأن "احتمال تورط الـ(ج.إ.م/GIA) أصبح كبيرا جدا، وعبد الصبور هو الآن رئيس الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا، وهو الوحيد الذي يتوفر على شبكة قادرة على القيام بمثل هذه العمليات الجريئة جدا" وهكذا يصبح صحفي واحد بسيط أقوى من مصالح المخابرات الفرنسية والجزائرية مجتمعين 114 إنه احتمال غالب أن الأمر هنا يتعلق بتسميم إخباري من الحاج الزبير مسؤول مصلحة الصحافة لـ(ق.إ.أ/DRS) (الذي خلف في هذا المنصب العقيد صالح الذي اغتيل في 19 فبراير 1995) رسميا تسمى "مصلحة التوثيق" وهي مكلفة بالعلاقة مع أجهزة الإعلام (رقابة، إذاعة، بيانات أو نشر مقالات). فبفضل عملائه المغروسين في مختلف اليوميات الوطنية كانوا يوجهون الرأي العام الوطني بإحناقه على الإسلاميين وعلى من يسمونهم إرهابيين.

ولم تكن التلاعبات في ذلك الوقت تمس الأوساط الإسلامية فقط، علمت أثناء اجتماعي في باريس سنة 1994 مع العقيد حبيب والعقيد علي دردوري رئيس مكتب (ق.إ.أ/DRS) في لندن بأن هذا الأخير كان على اتصال مع منظري الـ(ج.إ.م/GIA) ومنهم شخص يدعى "أبو حمزة" الذي كان يصدر فتاوي للمجاهدين الجزائريين (وقد كان على اتصال كذلك بنذير رملي مسؤول الـ (ج.إ.إ/FIS) في بريطانيا العظمى الذي كان مكلفا بنشر وتوزيع وثائق وبيانات الـ"ج.إ.إ/FIS") وبعد خروجي من الخدمة علمت أن أبا حمزة كان موجها هو الآخر من طرف (ق.إ.أ/DRS) دون علمه. وفي أواخر سنة 1996، انفصل عن خط الـ(ج.إ.م/GIA) لما أدرك أن هذه الأخيرة كانت مخترقة وملغمة من طرف (ق.إ.أ/DRS). بل أنه قد رفض حتى إصدار فتوى "بتكفير" الشعب الجزائري، لأنه رأى أن فعلا مثل هذا لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يصدر عن مجموعة تحارب باسم الإسلام ضد "طواغيت الجزائر".

 

تفـجيـرات 1995

 

أسبوعان بعد الاغتيال المزدوج في شارع ميرة (MIRHA)، انفجرت قنبلة في محطة قطارات الأنفاق بسان ميشالSaint-Michel  بباريس، أسفرت عن مقتل ثمانية وجرح مائة وخمسين آخرين. وقد اتبع هذا التفجير بسبعة تفجيرات أخرى من أوت إلى أكتوبر أسفرت في المجموع عن حوالي ثمانين مجروحا. وبسرعة أسندت كل هذه التفجيرات إلى الـ(ج.إ.م/GIA) (لقد تبناها جميعها جمال زيتوني في بلاغ مؤرخ في 23 سبتمبر وصل من وكالة رويتر بالقاهرة).

وهذا صحيح، إذا ما لم ننس أن نضع في الحسبان أنها من تدبير رؤساء (ق.إ.أ/DRS)، الذين وجّهوا واضعي القنابل. وأن مسؤولي (ج.م.ف/DST الذين أعمتهم علاقتهم الضيّقة بإسماعيل وآخرين، لم يفعلوا أي شيء لمنعهم، ولم يشكّوا قطعا في أن نظرائهم الجزائريين كانوا على استعداد للذهاب إلى هذا الحد البعيد.. وقد فعل (ج.م.ف/DST) بعد ذلك كل شيء من أجل إسدال الستار على هذا الموقف.

إننا نعلم أن اثنين من المسؤولين المحتملين عن تفجيرات 1995 هما بوعلام بن سعيد وإسماعيل آيت علي بلقاسم قد أدينا معا أمام محكمة باريس الخاصة في أكتوبر 2002 و حكم علبهما بالسجن المؤبد، وهي تفجيرات مترو ميزون بلانشMaison Blanche ، وقطار متحف أورساي Musée-d,Orsay (بوعلام بن سعيد ثبت "ضلوعه" في تفجير سان ميشالSaint-Michel ).

إذا كانت مسؤولية هذين الشخصين مؤكدة فإن العديد من الملاحظين قد أكدوا أثناء هذه المحاكمة أن المخطّط الحقيقي للاعتداءات هو علي توشنت المدعو طارق الذي سبق أن تحدثت عن الظروف التي أصبح فيها عميلا للعقيد حبيب. إن علي توشنت كان مكلفا من (ق.إ.أ/DRS) بتنسيق نشاط الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا وفي أروبا مما لا يترك لدي أدنى شك بأنه كان وراء تنظيم هذه التفجيرات التي كان يهدف من وراءها رؤساء (ق.إ.أ/DRS) ممارسة الضغط على الحكومة الفرنسية.

في الحقيقة أن يبقى الأكثر إثارة للغرابة في هذه القضية هو موقف مصالح (ج.م.ف/DST) الذين كانوا مع ذلك قد عرفوا علي توشنت منذ 1993 ولربما حتى قبل ذلك. فبأية معجزة تمكن من الإفلات من حملات الشرطة في 1993 و1995 سواء في هولندا أو إنجلترا أو بلجيكا أو فرنسا، في حين أن كل الأشخاص القريبين منه قد قبض عليهم؟

إن الإجابة واضحة وهي أن مصالح الاستخبارات الفرنسية كانت تعلم أن علي توشنت عميل لـ(ق.إ.أ/DRS) مكلف باختراق جماعات دعم الإسلاميين في الخارج.

واستغلالا لعلاقتهم الحميمة مـع مسؤولي (ج.م.ف/DST)، كان الجنرال إسماعيل العماري والعقيد حبيب يزودانهم "بمعلومات" حقيقية عن الحركة الإسلامـية في فرنسا، وعن العناصر "الخطيرة" المتعرف عليها من جواسيس (ق.إ.أ/DRS) الذين من ضمنهم علي توشنت؛ ومقابل هذه المعلومات الثمينة يقوم (ج.م.ف/DST) بتقديم تعاونه (بما في ذلك حماية المصادر، وهو ما يفسر عدم قلق علي توشنت أبدا على التراب الفرنسي) والمساعدة في القضاء على الإسلاميين الحقيقيين.

وكذلك ففي نوفمبر 1995 كانت من بين صور ستين مشبوها متعرفا عليه في تفجيرات فرنسا الصورة الوحيدة الناقصة في الألبوم الموجود لدى مصالح الشرطة هي صورة علي توشنت، مع أنه كتب مكانها بشكل واضح عبارة:  "س" مجهول مدعو "طارق". فمن كان يريد أن يخفي توشنت عن العدالة الفرنسية؟

ماذا كان مصير وثائق التعريف المحجوزة سنة 1993؟ مع أن الشرطة كانت تعرف أن "أمير الـ(ج.إ.م/GIA) في فرنسا" كان يتقاسم الغرفة بالفعل مع بوعلام بن سعيد في شارع أورنانو Ornano في الدائرة XVIII بباريس خلال صيف 1995 ثم بعد ذلك في شارع فيليسيان دافيد Félicien-David في الدائرة XVI...

أعلنت مصالح الاستخبارات الجزائرية في أواخر 1997 عن وفاة علي توشنت التي كانت قد حدثت في 23 من شهر ماي من السنة ذاتها. وأمام إلحاح السلطات الفرنسية التي كانت تطالب بالدليل على وفاته، فإن الإعلان عن هذه الوفاة سيتم تأكيده وبكل غرابة يوم العطلة الأسبوعية -وهي حالة نادرة جدا- في فبراير 1998. 115 هل هذا الأمر يتعلق بتصفية شاهد محرج قد يؤدي إلى توريط (ق.إ.أ/DRS) في تنسيق العمليات الإرهابية في فرنسا؟ من ساعد علي توشنت على الهروب من إنجلترا سنة 1996 والعودة إلى الجزائر؟ كيف استطاع أن يدخل إلى الجزائر والإقامة فيها بكل اطمئنان لعدة شهور، في الوقت الذي كان مبحوثا عنه من كل مصالح الشرطة، وصورته كانت منشورة في كل مكان بعد موجة التفجيرات الدموية التي عرفتها فرنسا؟

كيف يمكن تفسير أن عنصرا من الـ(ج.إ.م/GIA) لا يتخفى عندما يعيش في الجزائر؟ لماذا لم يتمكن قاضي "مكافحة الإرهاب" جان لوي برويير Jean-Louis Bruguière أن يحصل على أي توضيح من السلطات الجزائرية عن "موت" توشنت عندما ذهب خصيصا إلى الجزائر من أجل هذا الغرض في 5 أفريل 1998. وهناك دليل آخر يجعل هذه الوفاة مشبوهة للغاية وهو أن أفراد عائلة علي توشنت يجهلون حتى المكان الذي دفن فيه؟

وعلى أية حال، فلا مفر من الاعتراف بأن تفجيرات1995 التي زرعت الخوف من إمكانية تصدير "الحرب القذرة " إلى فرنسا لو لم تتخذ تدابير مستعجلة قد أدت فعلا إلى انقلاب في موقف السلطات الفرنسية ابتداء من 1995. ثم قام "مخطط فيجي بيرات Vigipirate" بإتمام الباقي. إن الفرنسيين قد "أحسوا " أخيرا بخطر الأصولية فقاموا بطرد الإسلاميين وإسكاتهم .

 



83 ) كنت أحيانا أقابل بعض مسؤولي الأحزاب السياسية في هذا الفندق الموجود بمحاذاة حديقة الحيوانات ببن عكنون، هذه الحديقة، الموجودة في منطقة كثيفة الأشجار كانت تستعمل أيضا من طرف العملاء في الـ(ح.إ.م/GIA) صنع (ق.إ.أ/DRS) للتسلل خفية إلى مركز عنتر، و"الاختفاء" بعدها نحو بئر خادم، العاشور، خرايسية... دون إثارة الانتباه.

84 ) أنظر حبيب سوايدية، الحرب القذرة، مرجع سبق ذكره ص.95

85 ) سأعود إلى هذه القضية التي قام (ق.إ.أ/DRS) بتدبيرها في الفصل التاسع

86 ) لقد تم تدعيم (م.ب.ت/SRA) بالضباط برتبة ملازم أول المتخرجين من دفعتي 1991 و1992، لأنه وبعد أحداث جوان 1991، تم التعجيل في مدة التكوين وكان الضباط الجدد يحولون مباشرة نحو (م.ت.خ/GIS)، أو الوحدات العاملة للأمن العسكري في العاصمة – ونادرون جدا أولئك الذين التحقوا بمراكز (م.ب.تق/CRI) في النواحي العسكرية الأخرى

87 ) ولكن شهادات أخرى ستؤكد لي فيما بعد بأن هذه الوحشية أصبحت هي القاعدة والمعيار المتبع، وهكذا، صرح لي الجنرال مصطفى شلوفي في ماي 1995، وهو قائد سابق للدرك الوطني ، وأمين عام سابق لوزارة الدفاع الوطني(خلفه الجنرال خالد نزار في هذا المنصب) وهوضابط لا يمكن الشك في مشاعره وأخلاقه الإنسانية ، إنه كان يعثر كل يوم على جثث  لإسلاميين (مرماة) بالقرب من إقامته في بوشاوي وأن هذه الوضعية توقّفت مباشرة بعد أن أتّصل هاتفيا بالجنرال توفيق ليقول له بأن "يرمي [جثثه] بعيدا ".

 88) وكذلك في نهاية 1994، عندما صرح لي ملازم شاب تم تحويله تحت إمرتي في بون، أنه لا يفهم لماذا وكيف يمكن لـ"الأمير الوطني للـ(ج.إ.م/GIA)"، وبالرغم من أنه مبحوث عنه في كامل التراب الوطني، أن يتجول على راحته داخل أسوار المركز العسكري بدالي براهيم، مقر(ق.إ.أ/DRS)، فإذا كان زيتوني قد شوهد خلال فترة طويلة من صيف 1994 في مكاتب (ق.إ.أ/DRS)، فهذا يعني أن معظم ضباط (ق.إ.أ/DRS) لم يكونوا يجهلون أن الـ(ج.إ.م/GIA) "تنشط" لصالح السلطة، وكانوا يعلمون جيدا من يدبر تلك الجرائم ضد المواطنيين المدنيين...

89 ) وهو ما سيؤكده المساعد السابق عبد القادر تيغة، في شهادة مكتوبة اطلعت عليها، وقد كان يعمل بـ (م.إ.ب.ت/CTRI) بالبليدة من سنة 1993 إلى 1998 (ستكون لي الفرصة للحديث عنه لاحقا) :" إن هذه التسمية (م.ش.ج.ح/OJAL) هي من اختراع مساعد العقيد مهنة جبار، النقيب عبد الحفيظ علواش، وهو العقل المدبر في (م.إ.ب.ت/CTRI) للناحية العسكرية الأولى، ولقد أوجد حروف الاختزال لهذه المنظمة المستعارة الوهمية، بل وأمر كذلك المصلحة القضائية بالصاق مناشير باسم هذا التنظيم على جدران المدن، فابتداء من هذه التجربة الأولى لـ (م.إ.ب.ت/CTRI) بالناحية العسكرية الأولى قامت المراكز الأخرى الموجودة على التراب الوطني باتباع نفس الطريقة للقتل ودفع التهمة عنها رسميا. وكانت مصالح الأمن والدرك الوطني المطلعة بالطبع على الوقائع، تتكفل بجمع الجثث ودفنها كل صباح.

90 ) لقد تحدث دون تفصيل عن كلمة القيادة، وأظن أن الأمر يتعلق بمحمد العماري وإبراهيم فضيل شريف.

91 ) رسائل دولية Courrier international، 2 أكتوبر 1997.

92 ) لقد تحدث الصحفي أرزقي آيت العربي عن قساوة الحراس وانعدام الاحساس لديهم نحو معاناة السجناء (أرزقي آيت العربي، "اعترافات مسجون رأي سابق Révélation d un ancien détenu d opinion"  أسبوعية الحدث l événement العدد 162 2-8 أفريل1994)؛ كما أعطى كذلك الإسلامي السابق المنقلب أحمد مراح صورة عن ذلك في كتابه "قضية بويعلي " مرجع سبق ذكره

93 ) إن تقنية الهروب هي أسلوب جربته مصالح (أ.ع/SM) لتقصي المعلومات واختراق تنظيم ما، وقد تحدثت آنفا عن حالة نور الدين صديقي، ويمكننا ذكر الكثير من الأمثلة، وسأكتفي هنا بذكر حالة واحدة هي حالة أحمد مراح الذي تحدث في كتابه "قضية بويعلي" عن الاتصال الذي تم معه عندما كان في سجن تيزي وزو، من طرف النقيب عبد القادر حداد يوم 3 سبتمبر 1985، لتدبير عملية فرار ستمكن من "دمجه" واختراق مقاومة بويعلي للقضاء نهائيا على كل الجماعة، وقد عرض عليه نفس الاقتراح من طرف مصالح الدرك الوطني...

94 ) ستكون لي الفرص للحديث ثانية عن هذا الشخص العجيب(أنظر الفصل العاشر)، إن العقيد بن ڤدة ضابط ذو تصرفات مشبوهة، وهو خادم للجنرالين توفيق وإسماعيل العماري، وقد أقصي كذا مرة ولكن المسؤولين المجرمين كانوا دائما يسترجعونه ويمنحونه حمايتهم، مسؤول سابق عن مكتب الأمن التابع للـ(أ.ع/SM) في سفارة الجزائر ببون سنة 1988، كان كذلك  في ناميبيا وجنوب افريقيا من سنة 1992 إلى 1994، نائب مدير (م.ت.أ.خ/DDSE) من 1994 إلى 1997، كان مسؤولا عن مكتب (ق.إ.أ/DRS) بباريس من 1997 إلى 1999، أين كان يتعامل مع المخابرات الفرنسية لصالح صديقه الجنرال إسماعيل العماري. احتراما مني للقارئ الكريم وللمؤسسة التي كنت أنتمي إليها، فإني أفضل عدم الكشف هنا عن الأسرار المتعلقة بحياته الشخصية.

 

95 ) هو اسم عملية قام بها ضابط فرنسي من مصالح الجوسسة المضادة سنة 1958، وهو النقيب ليجي  (كان جنوده الإضافيون الجزائريون يرتدون "بزة زرقاء  bleu de chauffe" ومنه جاء إسم "الزرقاء  bleuite"):حيث قام بإطلاق سراح جنود من (جش.ت.و/ALN) تم اعتقالهم، بعد أن أقنعهم أن البعض من رفقائهم في السلاح كانوا خونة ويعملون لصالح فرنسا، وقد فعل هذا التسميم فعلته حيث أدى بالعقيد عميروش قائد الولاية الثالثة التاريخية (القبائل)، إلى استنطاق وقتل المئات من المجاهدين

96 ) تم تحويل ملازم من المصالح التقنية لـ(ق.إ.أ/DRS) خصيصا لهذا الغرض، وقد عمل معي في بون 6 أشهر قبل أن ينتقل إلى نابولي، لقد كانت مصالح الاستخبارات الإيطالية أكثر تجاوبا وتعاملا من نظيرتها الألمانية: حيث كان هذا الضابط يضمن نسخ التنصنتات التي كانت تقوم بها مصالح (ق.إ.أ/DRS)

 

97 ) حبيب سوايدية، الحرب القذرة، مرجع سبق ذكره ص 115

98 ) "الجزائر، ملف سياسي  Algerie, dossier politique " nord sud export, 7 مارس 2003 رقم 460

99 ) حيث لجأ لتكوين شبكة مزعومة لتهريب الأسلحة عبر الحدود الجزائرية-المغربية، بتواطؤ الملازم بوعلام، من (م.إ.ب.ت/CTRI) بالبليدة، هذا الأخير تم تعيينه في قنصلية الجزائر بمدينة وجدة المغربية لهذا الغرض (ولم يكن القنصل هناك سوى المحافظ السابق للشرطة حاج صادوق)

 

100) خليفة زيتوني هو عنتر زوابري، عميل آخر لـ(ق.إ.أ/DRS)، سيقود بدوره (ج.إ.م/GIA) لما يقارب ستة سنوات، وقد أعلن عن مقتله عدة مرات، ولكن ذلك لم يتم فعلا إلا  في9 فبراير 2002 بعد عملية مشهدية كبيرة نظمها (ق.إ.أ/DRS) في بوفاريك، بالقرب من العاصمة.

101 ) حسب بن حجر، فإن "محمد سعيد وعبد الرزاق رجام كانا في مهمة في غرب البلاد في ربيع 1995 قصد إقناع الـ(جش.إ.إ/AIS) بالانضمام إلى مبايعة أمير (ج.إ.م/GIA)" (...)، مباشرة بعد هذه المهمة، استدعي كلاهما إلى مركز قيادة الـ(ج.إ.م/GIA) في بوڤرة (البليدة): " كان جمال زيتوني يشك في أنهما قد تآمرا ضده. وفي طريقهما إلى بوڤرة توقفا عندنا في تيمزڤيدة من 20 إلى 22 يوليو1995، ولقد فعلت كل ما كان بوسعي لأثنيهما على مواصلة الطريق فقد كانت لدينا دلائل حول ما تنوي جماعة جمال زيتوني القيام به؛ فقد حكموا بالإعدام على عمور حبشي أمير الوسط ونفذوا فيه الحكم بعد عودته من غرب البلاد، ولكن محمد سعيد رفض الإصغاء لنا وقال بأنه "لا يريد أن يكون حجة للشقاق بين المسلمين"، في الخريف الموالي أعلنت "الإمارة الوطنية للـ(ج.إ.م/GIA)" عن استشهاد محمد السعيد، في "اشتباك مع الجيش" عندما كان في طريقه لزيارة أهله، " إننا كنا نعلم أنهم قتلوه، هو وعبد الرزاق رجام، وكذلك الكثير من إخواننا المنتسبين إلى تيار الجزأرة  [وهو تيار سياسي في الـ(ج.إ.إ/FIS) كان يتزعمه محمد السعيد، سبق ذكره]"ALGERIA-INTERFACE,  "علي بن حجر يتحدث عن الحرب الداخلية في صفوف الـ(ج.إ.م/GIA)" 27 ديسمبر 2001

102 ) صرح سعيد مخلوفي في بيان له (باسم "ح.أ.د.إ/MEI" ) رقم 2 (غير مؤرخ ويبدو أنه حرر في أوائل 1996) أنه ينفصل عن الـ(ج.إ.م/GIA)، وقال صراحة أن (ح.أ.د.إ/MEI) متأكدة من أن قيادة الـ(ج.إ.م/GIA) اليوم مخترقة من مصالح المخابرات (...) وبأنه يملك أدلة قاطعة على أن أميره أبو عبد الرحمان أمين (المدعو جمال زيتوني) على علاقة بمصالح المخابرات.(...) وأضاف:" لقد عرضت هذه الوثائق على بعض الأمراء وقد قرروا الانسحاب من الـ(ج.إ.م/GIA)." هذه الوثائق لم تصلنا أبدا إلى المدية. (علي بن حجر، "قضية اغتيال الرهبان السبعة في الجزائر" 17 جويلية 1997؛ النص الكامل موجود في الانترنيت على العنوان الآتي:<http://www.algeria-watch.org/fraticle/tigha_moines/benhadjar.htm>

103 ) أنظر الحبيب سوايدية محاكمة "الحرب القذرة" مرجع سبق ذكره ص 166

104 ) لقد تم تجنيد مصطفى كرطالي، والذي كان أميرا للـ (جش.إ.إ/AIS)، من طرف (م.إ.ب.ت/CTRI) بالبليدة، وقد أقحم رجاله في "الحرب ضد (ج.إ.م/GIA)". وفي خريف 1997، شارك في المفاوضات الشهيرة (والبعض يصفها بالاستسلام) بين (ج.و.ش/ANP) و(جش.إ.إ/AIS) وسيحصل إثر ذلك على صفة "تائب" الممنوحة للإسلاميين الذين يضعون السلاح.

105 ) حسب معلوماتي، فإن (ج.إ.ج.م/FIDA) قد أنشئت بمبادرة من الجنرال إسماعيل العماري في ربيع 1993، الذي عهد بتسيير هذا التنظيم إلى العقيد طرطاڤ الأكثر خبرة من فريد غبريني (رئيس "م.ر.ع/CPO"). لم تنشط (ج.إ.ج.م/FIDA) إلا في العاصمة وكانت لا تستهدف إلا المثقفين. كانت مكونة من إسلاميين جامعيين جندهم شخص  يدعى جبايلي كان مديرا لمعهد الكيمياء بجامعة باب الزوار وعميلا لإسماعيل، والذي كانت لي عدة اتصالات معه في 1991 و1992، كان يدرب حينئذ  طلبة جامعيين على صنع قنابل تقليدية.

106 ) انتخب أنور هدام، وهو فزيائي وابن أخ تيجاني هدام عضو في (م.أ.د/HCE)، في الدور الأول من تشريعيات 26 ديسمبر 1991. في سنة 1993، سيتم تعيينه كمسؤول عن الوفد البرلماني للـ(ج.إ.إ/FIS). يعيش في الـ (و.م.أ/USA)، وقد شارك باسم (ج.إ.إ/FIS) في مفاوضات "سانت اجيديو" ووقع على "عقد روما" في يناير 1995 (أنظر لاحقا). و سيرتكب خطأ بالموافقة الضمنية على تفجيرات نهج العقيد عميروش العاصمة التي حدثت في 30 يناير 1995 – أدى انفجار قنبلة داخل حافلة أمام المحافظة المركزية للشرطة إلى مصرع 42 شخص-، وهذا ما سيكلفه العديد من المشاكل القضائية في بلده المضيف، خاصة وأن الجزائر قد طالبت بتسليمه.

107 ) أنظر جون سويني، 30 أكتوبر 1997the independant   "we bombed paris for algeria" وقد أكد هذا التصريح في حوار صحفي ثاني نشر في اليومية الفرنسية "لوموند" بتاريخ 11 نوفمبر 1997.

108 ) باسكال كروب Pascal Krop وروجي فاليجو Roger FALIGOT (ج.م.ف/DST) Flammarion, paris,1999,p.451 sq.

109 ) تحت عنوان "قضية المختطفين affaire des otages" هذا الحديث المفصل، لم تفنده السلطة أبدا.

110 ) " موسى كراوش يتحصل على انعدام وجه إقامة الدعوى" ليبيراصيون، 6 يوليو 2000

111 ) اغتيل المحامي علي مسيلي من طرف عميل للأمن العسكري بباريس يوم 7 أفريل 1987، وهو مجاهد قديم في صفوف (جش.ت.و/ALN) إبان حرب التحرير، وكان من الأوفياء لحسين آيت أحمد زعيم (ج.ق.إ/FFS). وقد كان سنة 1985 العامل الرئيسي في التقارب بين هذا الأخير والرئيس الجزائري السابق أحمد بن بلة، وكان هذا التحالف يهدد مصالح جنرالات الجزائر، فبالنسبة لهم كان التخلص من علي مسيلي يهدف إلى توجيه رسالة لكلا المعارضين وبالخصوص إلى حرمان (ج.ق.إ/FFS) – الموضوعة دائما في خانة الأعداء الخطيرين للنظام- من شخصية كبيرة يمكنها أن تحل محل حسين آيت أحمد في يوم ما، أما منفذ عملية اغتيال مسيلي وهو عبد المالك أومالو، عميل (أ.ع/SM)، فقد أوقف في باريس بضعة أيام بعد الاغتيال، وتم إرساله إلى الجزائر 48 ساعة فقط بعد ذلك بأمر من الوزير روبير باندرو Robert Pandraud، دون أن يقوم القضاء الفرنسي بأي تحقيق (أنظر حسين آيت أحمد، قضية مسيلي، لاديكوفارت، باريس، 1989).

112 ) لقد علمنا بأن الكومندوس كان بقيادة المدعو يحي عبد الله، وهو بائع خضر في منطقة الكاليتوس في ضواحي العاصمة، مرفوقا بصالح العيادي، بن ڤطاف وشكوان، كانو شبان عاطلين مستعدين للموت. ومن المفيد أن نوضح هنا أن جنرالات الجزائر ونتيجة هلعهم من "الملتحين" قد عملوا على نزع المصداقية عن الإسلاميين بكل الوسائل، وذلك خاصة بوضعهم تلقائيا على رأس المجموعات الأكثر دموية، مطالين، ميكانيكيين، وبائعي الحلويات والخضر: كان الأمر يتعلق بترسيخ فكرة أن جماعات "مجانين الله"، لا تملك نخبة وهي مسيرة من طرف متطرفين ومن ثمة تبرر سياسة الاستئصال. حتى أن "الأمير" يحي وفي مفاوضاته مع وزير الداخلية الجزائري ، قد رفض التحدث مع عبد الحق لعيادة في الوقت الذي كان مفترضا أن يطالب بإطلاق سراحه! وهذا التناقض قد فات بالتأكيد على مدبري عملية اختطاف طائرة الايرباص...

113 ) كان نور الدين عمر (عينان خضراوان، أصيل مدينة الشلف) في الحقيقة إسلاميا موجها من طرف العقيد حبيب، معروف باسم ناصر، وقد وضع بالقرب من الإمام لمراقبته؛ وللحيلولة دون أي تسرب فقد تعمد حبيب عدم إخطاره بعملية الاغتيال المدبرة، وبمجازفته هذه دفع نور الدين هو كذلك الثمن.

114 ) في 21 أوت 1995، سيتم القبض على عبد الكريم دناش المدعو عبد الصبور، من طرف الشرطة السويدية بناء على طلب إنابة قضائية دولية من القاضي جون فرانسوا ريكار، الذي كان يشكك في تورطه في عملية التفجير التي مست محطة سان ميشال للقطارات، عبد الصبور الذي يعتبر من مؤسسي بيان "الأنصار" وأحد المسؤولين الرئيسيين عن الـ(ج.إ.م/GIA) في السويد، تمت تبرأته من التهم المنسوبة إليه، فقد كان في السويد لحظة وقوع الانفجار.

115  ) وتاريخ 18 فبراير1998 هو التاريخ نفسه الذي صدر فيه الحكم غيابيا على توشنت بعشر سنوات سجن نافذة من محكمة الجنح بباريس في قضية الشبكة الإسلامية لشاس سور رون Chasse-sur-Rhône.

116 ) جريدة لوموند، 7-8 جوان 1998  هنري تنسك Henri TINCQ [ "مصالح" الجيش المدبرة لاغتيال الرهبان السبعة والأسقف بيار كلافوري  Pierre Claverie].